من الصّعب حالياً “استشراف” ما قد تصلُ إليه المَساعي التي تبذلها باريس على خطّ الإستحقاق الرئاسي، لكنّ ما يُمكن جزمه في الوقت الرّاهن هو أنّ هناك قبولاً ضمنياً بتلك الجهود المبذولة من مختلف الأفرقاء السياسيين وأبرزهم “حزب الله”.
حقاً، الأمرُ هذا هو الأكثرُ بروزاً في الوقت الراهن، وقد تختلفُ المرحلة الحالية عن مرحلة العام 2016. ففي ذلك الحين، شاءَ الحزب عدم القبول بالمساعي الفرنسيّة التي أرست الطريق أمام رئيس تيار “المرده” سليمان فرنجيّة نحو رئاسة الجمهورية، والسبب حينها كان يرتبط بـ”الالتزام” الذي كان قائماً مع رئيس الجمهوريّة السابق ميشال عون. أما اليوم، فإن الحزب يعتبرُ من أقرب المُقرّبين للفرنسيين بعكس ما كان سائداً سابقاً، وقد يكونُ الأكثر ميلاً للقبولِ بما ستقوله باريس على صعيد “تسوية” تمهد لإنتاج “رئيس توافقي”.
بشكلٍ أو بآخر، ما قد تقوله فرنسا اليوم في الملف الرئاسي قد لا يتعارض مع ما يريدهُ “حزب الله”. ولهذا، فإنّ أي تفاوضٍ قد يبقى تحت سقف ما يريدُه الأخير بمعزلٍ عن أي خيارات استفزازيّة، وحكماً قد يعود ذلك إلى أمرين أساسيين، الأوّل وهو أنّ باريس تتعامل مع “حزب الله” كمؤثر أساسي في الداخل اللبناني فيما الأمر الثاني يرتبطُ بقرار فرنسا المستند إلى عدم طرح أي صيغة رئاسيّة تستفزّ الأطراف وتزيد من الشرخ السياسي القائم.على صعيدٍ آخر، فإنّ ما يُمكن أن يريحَ “الحزب” قليلاً هو أن فرنسا لم تُعلن حتى الآن عن أي “فيتو” ضدّ اي إسم من الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهوريّة. هُنا، قد يكون خيار الحزب بشأن فرنجية متناغماً مع ما تريدهُ فرنسا، في حين أنّ “المغازلة” التي يقومُ بها لقائد الجيش جوزاف عون قد تكونُ أيضاً “مُلاطفة” لباريس التي قد تحملُ في طيّات مساعيها اسم الأخير كـ”خيار وسطي”، لا يستفزّ الآخرين وقد يقبلُ به “حزب الله” في حال وجدَ أنّ خيار فرنجية ما زال مُصطدماً برفض رئيس التيار “الوطني الحر” جبران باسيل.
وإضافة إلى كل ذلك، فإنّ ما قد يدفع “حزب الله” للانفتاح أكثر على الخيارات الفرنسية يتصلُ مباشرة بسعيه للحفاظ على “الحليف الغربي” الوحيد وسط العقوبات المفروضة عليه أميركياً ومن دولٍ أخرى. حتماً، هذا الأمرُ يدركهُ الحزبُ تماماً، وبالتالي فإن التقارب بينه وبين باريس يجب أن يبقى مُكرّساً في الوقت الراهن كي لا تنهار ورقة التفاوض على تسوياتٍ أكبر قد تتصلُ بالوضع الإقليميّ وترتبطُ بالعلاقة مع السعودية. ولهذا، فإنّ ما يتبين هو أن العلاقة بين “حزب الله” و فرنسا مترسخة في الوقت الحاضر لأن لظروف تُملي ذلك، ولهذا سيكون هناك تقاربٌ على صعيد القرارات والخيارات التي تمهد للتسويات المنتظرة.في الخلاصة، ما يمكن تثبيته راهناً هو أن “حزب الله” يحتاجُ حكماً إلى فرنسا لتثبيت أي تسويةٍ منتظرة، ما يعني أن المواجهة السياسية معها مُنعدمة تماماً. في الوقت نفسه، يمكن للمسعى الفرنسي أن يصطدم برفض أفرقاء آخرين، وبالتالي فإن المبادرات المنتظرة قد تشهدُ انحداراً غير متوقعاً، ما يعني استمرار أمد الفراغ إلى أجلٍ غير مسمى.. ولكن السؤال الذي يُطرح هنا: لو حصل “السيناريو السلبي”.. ماذا سيجري بعده؟