“كلُّ شيء وارد في السّياسة”… هذا ما قالهُ مرجعٌ نيابيّ مُقرّبٌ من “التيّار الوطنيّ الحر” لـ”لبنان24″ عن أيّ “تسوية” مُرتقبة بشأنِ الاستحقاق الرّئاسي. حتماً، الكلامُ هنا قد يكونُ أقربَ إلى الواقع في الوقت الرّاهن باعتبار أنّ الأطراف السياسية قد تلاقي بعضها رغم أيّ افتراق. وضُمنياً، هذا ما يحصلُ مؤخراً بين “حزب الله” و”الكتائب اللبنانيّة” رغم نفي الأخيرة لحصول أي التقاء مع الحزب، إلا أنّه ما من شيء يمنع حدوثَ هذا الأمر.. لكنَّ وسط كلّ ذلك، يُطرح السؤال الأبرز: هل من المُتوقع حصول انفصال بين “الوطني الحر” و “حزب الله” وسطَ العلاقة المتوتّرة بينهما بسبب الملف الرّئاسي؟
صحيحٌ أن رئيس “التيار” النائب جبران باسيل لا يحظى بـ”تزكية” من “حزب الله” للوصول إلى قصر بعبدا كـ”رئيس للجمهورية”، إلا أنّ ذلك قد لا يؤدّي إلى “ضربٍ للتحالف” بين الطرفين، لأن المعركة التي تُخاض قد لا تصلُ إلى أساس التفاهم بين الحزب و”التيّار”. إلا أنه ورغم كل ذلك، فإن العلاقة بحاجةٍ إلى مراجعة ضمنيّة وجديّة رغم كل شيء.
قبل الانتخابات النيابية في أيّار الماضي، ألمحَ باسيل ومعه الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله إلى ضرورة تكريس الحوار لتطوير اتفاق مار مخايل الذي وُقّعَ بين الحزب و “التيار” عام 2006. لكنّه بعد الانتخابات، لم تسرِ أيّ مستجداتٍ تُذكر على هذا الصّعيد، حتى جاء استحقاق رئاسة الجمهوريّة ليدهمَ الطرفين بقوة ويعيق أي إمكانية لتقدّم التفاهم الذي بات على شفير الإنفجارِ بسبب التناحر في الخيارات الرئاسيّة.
فعلياً، لا تُخفي الأطراف السياسيّة المقرّبة من “الوطنيّ الحر” مخاوفها من آثار توتّر العلاقة مع “الحزب”، لكنها تؤكّد أيضاً أن الأمور قد لا تتطور نحو “الافتراق” المطلوب من الآخرين. فإذا كانَ الاستحقاق الرّئاسيّ هو عنوانٌ لـ”هدم علاقة استراتيجية”، عندها يجبُ على كلّ طرفٍ مراجعة حساباته السياسيّة بشكلٍ دقيق.. ولكن، ماذا لو تركَ باسيل “حزب الله” حقاً؟
في الواقع، فإن المسألة هنا ليست سهلة، بل ترتبطُ بتوازناتٍ سياسية كُبرى. بالنسبة لباسيل، فإنّ “فرط عقد ارتباطه” مع الحزب ستكونُ له آثار كثيرة، وقد تُساهم تلك الخطوة في فتح الباب أمامه للتفاهم مُجدداً مع الأفرقاء الآخرين، لاسيما “القوات اللبنانية” والأطراف المُعارضة لـ”حزب الله”. كذلك، فإنّ انفصال باسيل عن حليفهِ الحالي قد يؤدّي إلى “حلحلة” في مسألة العقوبات الأميركية عليه، وقد يجعلهُ يحظى بدعمٍ أكبر دولياً في حال قرّر جدياً وفعلياً خوض معركة الرّئاسة.
حقاً، كل ذلك يُمكن أن يحصّله باسيل في حال اتخذ أي خطوة انسلاخٍ عن “حزب الله”، لكنّ الآثار الأخرى التي قد تطالهُ ليست عاديّة. فانتخابياً وسياسياً، سيكونُ باسيل قد تلقى خسارة كُبرى في حال اتخذ الخيار المذكور. فمن جهة، سيخسر حليفاً أساسياً يضمنه وقت الاستحقاقات، وسيدخلُ في صلبِ عمليّة التحجيم. عندها، قد لا يبقى باسيل قُطباً منفرداً ومؤثراً وبالقوة نفسها التي يحظى بها الآن، وقد يخسرُ قدرته أيضاً على التحرّك سياسياً إن تحالف مع “القوات اللبنانية” مُجدداً على سبيل المثال. أما الأمر الأهم، فهو أنّ “القوّات” نفسها قد لا تسمحُ لباسيل بالتوسّع سياسياً على قاعدةِ التحالف الذي تحكمه المناصفة في أيّ ملف ويرتبط بمبدأ الحجم الانتخابي والثقل الشعبيّ.
إزاء كل ذلك، فإن أي “مُغامرة” لباسيل ضدّ “حزب الله” لن تعود بنفعٍ سياسي ما دامت هناك خسائر كبرى. وفي كل الأحوال، لا يجب على باسيل نُكران أمرٍ أساسي وهو أنّه ولتحقيق التوازن، وللحفاظ على مقولة أن “التيار الوطني الحر” عابر للوطن، لا بدّ من الحفاظ على حليفٍ في الوسط الشيعي بعدما خسرَ “التيار” حليفهُ في الطائفة السّنية الذي كان “تيار المستقبل”. وفي حال تجرّد باسيل من الثوب الذي يجمعه بـ”حزب الله”، عندها ستكونُ الأمور أصعب عليه في أي استحقاق باعتبار أنّ الأخير يستطيع أن يغير المعادلات داخل مجلس النواب الحالي من خلال حلفائهِ والأطراف التي قد تُسايرهُ في بعض المواقف.
إذاً، وفي كل الأحوال، يبقى من الضروري على كل الأطراف مراجعة حساباتها في التواصل مع الآخرين. وإلى حين انتخاب رئيسٍ جديد، ما يمكن استشرافهُ هو أن العلاقة بين باسيل و “حزب الله” قد لا تشهدُ على أيّ “طلاق”، لكن الأمر الأساس الذي يجب حصوله هو تكريس حوارٍ جديد وتقييم أساسي لاتفاق مار مخايل، فالأمرُ بات مطلباً من طرفي الاتفاق بشكل أساسي، والتأجيلُ أكثر سيضربُ المعادلة ويزيد الشرخ لاحقاً بشكلٍ كبير.