كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: باريس بدل أن تتخذ موقفاً واضحاً في دعم خيارات يفترض أن تتلاقى معها، ودعم لبنان «بعيداً من المحاور الإقليمية»، تحوّلت إلى وسيط بين أفرقاء تحت عنوان فضفاض لكنه فعلياً لم يعبر عن هواجس حقيقية. وما حصل منذ بيان نيويورك الثلاثي دليل على أن حسم تصنيف دور باريس لا يزال متعثراً. فكيف يمكن لباريس أن تكون وسيطاً بين حزب الله تحديداً والسعودية وهي التي وقعّت بيان نيويورك بالبنود التي ترى فيها الرياض خريطة طريق لحل الأزمة في لبنان؟ وكيف يمكن أن تقنع السعودية بتبديل موقفها من حزب الله وهي تتصرف على أنها أقرب إلى الحزب؟ واستطراداً، كيف يمكن تبرير ما تقوم به، اليوم رئاسياً، وسابقاً تحت أكثر من مسمى، تحت سقف فتح أقنية الحوار فيما أفرقاء أساسيون من القوى السياسية في لبنان يصنّفون أداءها وعمل سفارتها في بيروت على أنها أقرب إلى سياسة الحزب وليس مجرد تسهيل سبل التواصل؟ وهذا ما يظهر جلياً في رفض جزء كبير من هذه القوى السياسية، من مستقلين أو مما كانت تعرف بقوى 14 آذار، لدورها وعدم الترحيب بسياستها في لبنان والمنطقة.
Advertisement
تشعب النقاش الفرنسي بدقة في قراءة ما وصلت إليه حتى الآن سياسة باريس في لبنان، إلى الحد الذي يتحدث عن أن هذا الأداء، إضافة إلى أنه لم يصل إلى أي نتيجة، ساهم في «خربطة» أي مساع إقليمية أو دولية لإنتاج حل لا يفهم منه أنه انحياز إلى حزب الله ولا التطابق معه رئاسياً أو سياسياً في وجه عام. وبعد تناوله موقف باريس من الدور السعودي والإيراني، بعد الاقتناع الفرنسي أن لا تغيير في موقف الرياض، جاء موقف المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي حول لبنان ليفعّل النقاش أكثر. إذ أعطى حجة أقوى للمدافعين الفرنسيين عن فكرة دعم باريس للبنان والقوى السياسية التي عادة ما كانت تقف إلى جانبها، بأن إيران تستخدم لبنان ورقة ابتزاز لواشنطن، لكن باريس هي التي تتلقى ارتداد هذا الموقف. وهي التي سعت إلى وضع مظلة تفاهمات مع إيران لبنانياً وإقليمياً، قبل ظهور بعض التباينات أخيراً على خلفية دعم باريس التحركات الاحتجاجية في إيران. وهذا يعني احتمال دخول لبنان مجدداً ساحة تجاذب قد لا تكون هادئة. ما يضع الفرنسيين في موقف دقيق وحرج إزاء أي تحول يمكن أن تلجأ إليه طهران في لبنان. من هنا بدأ النقاش يأخذ أبعاداً داخلية أكثر دقة حيال الخطوات التي يمكن أن تلجأ إليها باريس لإعادة تظهير موقفها إزاء لبنان بحيث تستعيد مسارها بطريقة أكثر وضوحاً وأقل تخبطاً.