كيد ماروني يشعل ضوءاً أخضر شيعياً – سنياً

5 ديسمبر 2022
كيد ماروني يشعل ضوءاً أخضر شيعياً – سنياً

فالج لا تعالج… انها المقولة التي تنطبق على الطبقة السياسية، والأكثر تعبيراً عن عمق خلافاتها التي بات ردمها ووصل أوصالها من سابع المستحيلات.

فالمسؤولون على اختلاف انتماءاتهم السياسية والطائفية والمناطقية منقسمون ليس على إدارة البلد، وتناتش المكتسبات والمصالح والمواقع وحسب، بل على جنس ملائكة الدستور، وأصوله وفصوله وبنوده وتفسيراته واجتهاداته لا بل أكثر، وصل بهم الأمر الى الكباش حول معنى بعض العبارات والمفردات ومفهومها في اللغة العربية.

واليوم، مع عودة انعقاد جلسات حكومة تصريف الأعمال، أصبحت كلمات مثل “طارئة” و”ملحة” و”ضرورة قصوى”، الشغل الشاغل للمسؤولين وكأن البلد في النعيم وليس في الجحيم، وكأن الناس يعيشون في رخاء وليس في ضيق غير مسبوق.

وبعد كل ما نراه ونسمعه، هل يجوز أن نصدق أقوالهم أو نثق بأفعالهم أو ننتظر القيامة على أيديهم أو حتى أن تنفع الصلوات والتضرعات بوجودهم؟ عبثاً طلب “الدبس من طيز النمس”.

جلسة مجلس الوزراء

عود على بدء، فبعد حوالي شهر على هدوء المعارك السياسية والدستورية على جبهة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي و”التيار الوطني الحر”، عادت لتشتعل على خلفية دستورية انعقاد مجلس الوزراء كاملاً، اذ أكد مصدر متابع لموقع “لبنان الكبير” أن رئيس الحكومة ما كان ليذهب الى خيار تحديد موعد لجلسة وزارية لو لم يحصل على دعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري، وضوء أخضر من “حزب الله”، وبالتالي، فإن الجلسة ستنعقد لدواع انسانية بعيداً من الكيديات والنكايات السياسية مع التأكيد أن تغيب وزراء “التيار الوطني الحر” لا يفقدها نصابها القانوني ولا ميثاقيتها لأن هناك وزراء مسيحيين سيشاركون فيها.

في حين لفت مصدر آخر الى أن الدعوة الى عقد جلسة وزارية فيها نوع من التحدي على الرغم من تغليفها بطابع انساني، وليس مستبعداً أنها تحمل في طياتها رسالة من “حزب الله” إلى النائب جبران باسيل مفادها أن تلازم المسار بينهما لم يعد ساري المفعول خصوصاً بعد وقوف باسيل كسد منيع في وجه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وعرقلة وصوله الى القصر الجمهوري.

نحن أمام أكثر من سيناريو في جلسة اليوم، اذ ربما يتم تعطيلها بتغيب وزراء “التيار” الستة الى جانب من يدورون في فلكه وسط معلومات عن أن “التيار” يراهن على مقاطعة الحزب، وربما هذا يفسر ما قاله أحد نواب تكتل “لبنان القوي” لموقع “لبنان الكبير”: “اننا نستبعد انعقاد الجلسة، وفي حال تمت، فسيكون لكل حادث حديث”.

وفي هذا الاطار، اعتبر المكتب الاعلامي للرئيس ميشال عون في بيان أن رئيس حكومة تصريف الأعمال “كشف مرّة جديدة، من خلال الدعوة التي وجهها الى عقد جلسة للحكومة، عن الأسباب الحقيقية التي جعلته يمتنع، طوال خمسة أشهر متتالية، عن تأليف الحكومة التي كُلف بتشكيلها، ألا وهي محاولة الاستئثار بالسلطة وفرض إرادته على اللبنانيين خلافاً لأحكام الدستور والأعراف والميثاقية”.

وأشار الى أن “التذرّع بتلبية الحاجات الاستشفائية والصحية والاجتماعية وغيرها من المواضيع التي أوردها رئيس حكومة تصريف الأعمال في جدول أعمال الجلسة التي دعا اليها، لا يبرّر له خطوته التي تُدخل البلاد في سابقة لا مثيل لها في الحياة الوطنية اللبنانية، مع ما تحمله من تداعيات على الاستقرار السياسي في البلاد”.

واذ حذر “ممّا يمكن أن يترتّب على هذه المخالفة الدستورية والميثاقية”، دعا “الوزراء الى اتخاذ موقف موحّد يمنع الخروج عن نصوص الدستور التي تحدّد بوضوح دور حكومات تصريف الأعمال، لأن أي اجتهاد في هذا الصدد هو انتهاك واضح للمبادئ الثوابت التي أرستها وثيقة الوفاق الوطني وكرّستها مواد الدستور”.

بدوره، نفى المكتب الاعلامي للرئيس ميقاتي في بيان “ما يروجه بعض الاعلام العوني عن اتصال جرى بين البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ودولة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد عظة غبطة البطريرك في قداس الاحد”، مؤكداً أن “الصحيح أن رئيس الحكومة اتصل يوم امس (الأول) بالبطريرك الماروني للتشاور في الوضع، وشرح له الظروف التي حتمت الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء. وما يحاول الاعلام العوني الباسه للبطريرك الماروني من موقف غير صحيح على الاطلاق”.

وأوضح أن “رئيس الحكومة في دعوته الى اجتماع الحكومة، يأخذ في الاعتبار هواجس البطريرك وموقفه وسيسعى بالتأكيد الى أن تبقى الحكومة بعيدة عن تأثيراتٍ من هنا وهناك لتحافظَ على استقلاليّتِها كسلطةٍ تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال، كما دعا البطريرك الراعي، في عظته”.

وفيما رأى البطريرك الراعي أن “حكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس، لا حكومة جداول أعمال الأحزاب والكتل السياسية”، نفت مصادر الرئيس ميقاتي في حديث لـ “لبنان الكبير”، الاتهامات الموجهة اليه حول رغبته في قيادة الدولة والسيطرة على صلاحيات رئيس الجمهورية، بحيث أكد منذ اللحظة الأولى أنه لن يدعو الى جلسة الا اذا كان هناك أمر ملح.

وهو لا يريد استفزاز أي طرف أو السطو على صلاحيات الرئاسة الأولى، لكن لا بد أن نسأل هنا: أليست صحة الناس أمراً ملحاً وضرورياً؟ ألم يسمعوا صرخة وزارة الصحة والمستشفيات والمرضى المهددين بالموت؟ هل يجوز بسبب الاختلاف في تفسير الدستور أن نعرّض بعض القطاعات الحيوية التي تمس حياة الناس بصورة مباشرة، للخطر؟ الرئيس ميقاتي يقوم بواجبه الدستوري، وهو لا يريد أن يستفز أي طرف لكنه لن يتخلى أيضاً عن مسؤولياته في ظل الأوضاع الاستثنائية التي نعاني منها جميعاً.

نحن على ثقة بأن غالبية الوزراء ستحضر الجلسة، لأن هناك مسؤوليات وواجبات عليهم القيام بها، ولن يحملوا ضمائرهم الخسائر البشرية والمادية اذا لم نتحرك سريعاً.

أما مصادر “التيار الوطني الحر” فأشارت الى أن نوايا الرئيس ميقاتي بعدم تشكيل حكومة قبل نهاية ولاية الرئيس عون، تظهر اليوم جلياً من خلال الجلسة الوزارية التي دعا اليها.

فهو يريد أن يستلم زمام الحكم، ويستولي على صلاحيات رئيس الجمهورية مع العلم أن حكومته مستقيلة ولم تنل ثقة البرلمان الحالي.

هو يتحجج بأمور لها علاقة بصحة الناس والمستشفيات وأدوية الأمراض المستعصية كي يمرر قرارات لم تمر حين كان هناك رئيس للجمهورية، ولا يجوز الاستخفاف بعقول الناس الى هذا الحد بحيث أن غالبية البنود على جدول أعمال الجلسة غير طارئة وغير ملحة، وكانت مطروحة سابقاً، وإلغاء العدد الأكبر منها خير دليل بحيث أعلن الرئيس ميقاتي نفسه أن بإمكانه تقليص عدد البنود من ٦٥ بنداً الى نحو ٢٥ بنداً.

اضافة الى ذلك، فإن الوزراء يتابعون شؤون وزاراتهم، ويسيّرون أمور الناس الملحة كما هناك لجان وزارية تجتمع وتنسق في ما بينها، وتتخذ بعض القرارات.

اذاً، معالجة قضايا الناس تسير على قدم وساق، فلماذا الدعوة الى جلسة وزارية؟ المستور أصبح مكشوفاً، والنوايا المبيتة باتت واضحة.

دستورياً، أكد أكثر من مرجع دستوري أن الدستور لم يمنع لا صراحة ولا بالتلميح حكومة تصريف الأعمال من الاجتماع شرط أن تكون في اطار معالجة الأمور الضرورية والتي تتعلق بمفهوم تسيير الأعمال أي عدم تحويل هذه الجلسات الى جسر عبور لطرح قضايا غير طارئة أو غير ملحة.

وهذا ما لا يريد “التيار البرتقالي” الاعتراف به لأنه لا يتقبل نزوله عن عرش السلطة والتفرد بالقرارات، وهو يعارض الجلسة اليوم على اعتبار أنه ستصدر عنها قرارات غير دستورية كونها حكومة مستقيلة بحسب أحد المحللين.

وعلى قدر تعدد الوجوه التنكرية في ليلة البربارة، يتنكر المسؤولون لصوابية خيارات الفريق الآخر وأحقيتها على مدار أيام السنة، وفي كل الاستحقاقات والمحطات المفصلية بحيث أن تناقضاتهم لا تبشر بعيدية ولا بعيد ولا بقرارات إنتاجية ولا بإجراءات اصلاحية.

وما قاله أحد السياسيين المخضرمين يضع الاصبع على الجرح: “البلد يعاني من أورام طائفية وسياسية خطيرة أكثر من أي شيء آخر، وهي علة كل العلل، والأكثر تدميراً للبلد وأهله، واذا لم تعالج بسرعة، وبطريقة جذرية، فإن الأزمات على المستويات كافة خصوصاً على مستوى الانتخابات الرئاسية وتأليف الحكومات، ستستمر الى ما لا نهاية عند كل استحقاق، وسنبقى ندور في حلقة مفرغة، وفي تعطيل تلو تعطيل”.

الراعي: نتمنى على ميقاتي تصويب الأمور

أكد البطريرك الراعي في عظة بعد قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي “أننا في لقائنا مع سفراء الدول العربية في سفارة لبنان في روما الأسبوع الماضي لمسنا استعداداً جامعاً لمساعدة لبنان، البلد الذي يكنون له المحبة، لكننا وجدنا لديهم في المقابل، عتباً كبيراً على النواب الذين يمتنعون، عن انتخاب رئيس للجمهورية لأسباب ليست لها علاقة بمصلحة لبنان.

إن بداية تكوين السلطة في أي بلد تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، لكن القوى المستقوية عندنا، حوّلت الرئاسة جبهة سياسية في محاور المنطقة وقررت، على الرغم من معارضة الرأي العام، الاستئثار بها لتبقى دولة لبنان جزءاً لا يتجزأ من محور الممانعة وحروبها واضطراباتها المستجدة، وتضع لبنان في صفوف الدول المعادية للأسرتين العربية والدولية وجزءاً من العالم المتخلف حضارياً واقتصادياً ومالياً”، معرباً عن أسفه لأن” هذه القوى وحلفاءها لا يعيرون أي اهتمام لمصلحة لبنان، ومستعدون لاستنزاف الوقت أشهراً وربما سنوات للحصول على مبتغاهم”.

وجدد دعوته “رئيس مجلس النواب المؤتمن على إدارة الجلسات وتأمين الظروف الدستورية والنصاب الطبيعي الذي أشارت إليه المادة 49 من الدستور، الى الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية، لكي لا يفقد المجلس النيابي مبرر وجوده كمركز لانبثاق السلطة”، معتبراً أن “هذا الإستخفاف بإنتخاب رئيس للدولة يضع الحكومة ورئيسها بين سندان حاجات المواطنين ومطرقة نواهي الدستور. فحكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس، لا حكومة جداول أعمال الأحزاب والكتل السياسية”.

وتمنى على الرئيس ميقاتي، “الذي طالما نأى بنفسه عن الانقسامات الحادة، أن يصوّب الأمور وهو يتحضر مبدئياً لعقد اجتماع غداً (اليوم)، فالبلاد في غنى عن فتح سجالات طائفية، وخلق إشكالات جديدة، وتعريض الأمن للاهتزاز، وعن صراع مؤسسات، واختلاف على صلاحيات”.

كما تمنى على الحكومة خصوصاً “أن تبقى بعيدة عن تأثيرات من هنا وهناك لتحافظ على استقلاليتها كسلطة تنفيذية، ولو لتصريف الأعمال”.