كتبت “نداء الوطن”: قلة من النساء يرضين بالخروج بشعر أبيض مهما كانت أوضاعهن المالية. لكن حين يصل الأمر الى المفاضلة بين الصبغة والخبز فلا شك أن لقمة العيش أولى. في لبنان ربات بيوت ونساء عاملات مستورات ما عاد بإمكانهن تحمل كلفة الذهاب الى المزين حتى للأمور الضرورية كالقصة والصبغة وما عادت الحلوة تداري شعرها…
«من 30 الى 35% تراجعت نسبة زبائننا يقول جو جبور وهو مزين نسائي معروف، وثمة سيدات لم نعد نراهن بالمرة. ومن كانت تأتي أسبوعياً للبراشينغ لم نعد نراها إلا مرة كل شهرين بعد أن تكون الصبغة قد تخطت موعدها بأسابيع. هنالك سيدات يأتين لقص شعرهن فقط ويطلبن الخروج بلا براشينغ ليوفرن الكلفة على أنفسهن. ومن كنّ يكرهن شعرهن المجعد بتن يتركنه على طبيعته ويدّعين بأنهن يفضلنه هكذا أو تعودن عليه بشكله الطبيعي، فأفهم أنهن يبحثن عن حل «وفّير» لا يثقل عليهن».
لكن هذا الواقع المحزن الذي يطاول، وفق المزين، جزءاً من الزبائن لا يمكن تعميمه على الجميع، فثمة الكثيرات من النساء اللواتي لم يغيّرن شيئاً من عاداتهن، ربما خففن قليلاً وتيرة زياراتهن الى المزين لكنهن لم يلغينها خاصة أن صالونات التزيين تقدم لهن خيارات عدة تناسب ميزانياتهن. صحيح أن ثمة صالونات فخمة تصل كلفة خدماتها الى أرقام لا تخطر في البال لكن الصالونات المتوسطة والشعبية تبقى في متناول معظم الفئات.شابات في مقتبل العمر ينفقن رواتبهن بلا حساب عند المزين وسيدات يحسبن حساب كل قرش ينفقنه وأقساط البيت والمدرسة ولكن كل واحدة منهن بإمكانها إيجاد المزين الذي يمكنها تحمل تكلفته. براشينغ بخمسين الف ومثله بـ20 دولاراً، قصّة بـ 200000 وأخرى بـ 40 دولاراً وفق الإسم والمنطقة وحتى الزبونة.وحين نسأل كيف يمكن للصالونات الشعبية تحمل كلفة تشغيل المحل يأتي الجواب صادماً: يستعملون أدنى نوعيات المستحضرات تلك التي تعبأ في لبنان من مصادر مجهولة أو تلك المهربة الى لبنان من سوريا كما يخبرنا أحد المزينين. كلامه تؤكده سعاد التي تقول «ما عادت الصبغة «تضاين» كما قبل، بعد اسبوع يعود الشعر الأبيض الى الظهور وكأن الكوافور يخدعني ويكذب علي».
حال صالونات التزيين مثل حال لبنان غريبة وغير مفهومة: انهيار وسياحة، فقر وسهر، نق وتبذير، ضائقة مالية وتشبث بالمظاهر…بين زبائن الـ «فريش» والمعتّرينالرجال من جهتهم غاضبون ما كانوا يوماً يحسبون حساباً لشعرهم اليوم صار عبئاً زائداً يُضاف الى سلسلة أعبائهم. بعضهم يودون مقاضاة الدولة التركية والمطالبة بعطل وضرر وتعويض عما يتكبدونه من كلفة أسبوعية لقص أو تشذيب الشعر المزروع. يلعنون تلك الساعة التي لعب فيها الشيطان برأسهم ودفعهم لإنفاق ما لا يقل عن ألفي دولار لزرع شعيرات تموه الصلع وتعبئ فراغات الرأس ( الخارجية)…هم يتمنون لو بإمكانهم الخروج براس أصلع جذاب لا يكلفهم إلا بضع دقائق من وقتهم يومياً. الصلعة اليوم باتت رائجة بحكم الموضة والأسعار. وقد بينت بعض استطلاعات الرأي في أوروبا وأميركا أن الرجل الأصلع من بين أكثر الرجال جاذبية وإثارة، وبناء عليه اعتمد شبان كثر صرعة الصلعة، من دون أن يدروا أنهم واصلون يوماً ألى وقت يُفرض عليهم فيه وهم على أبواب جهنم أن يعتمدوا الرأس الأصلع إجبارياً لا اختيارياً.الحلاقةهل يعني هذا العودة الى زمن « الخنافس» والشعر المنسدل على العنق عند الرجال؟ «ليس الى هذا الحد يقول أندريه، من يختار إطالة شعره يقوم بذلك تماشياً مع «الترند» يود أن يكون على الموضة وليس بسبب الضائقة المالية. وفي الحقيقة زبائننا ما زالوا يقصدوننا كما اعتادوا ولا سيما هؤلاء الذين يقبضون راتبهم بالفريش الدولار أو يتلقون مساعدات من أهل لهم في الخارج ولكن بدأنا نرى ظواهر جديدة لم تكن موجودة سابقاً. صرنا نرى بعض هؤلاء الميسورين يدفعون عن غيرهم لا سيما عن كبار السن و»المعترين» الذين يدخلون المحل، ويعطون الموظفين في المحل إكرامية حرزانة باللبناني. فما يدفعه هؤلاء بالدولار لقصة الشعر والحلاقة لا يزال أدنى بكثير مما اعتادوا دفعه سابقاً. فمن كان يدفع 25 دولاراً سابقاً صار اليوم يدفع 10 او 15 دولاراً. بالنسبة لي التسعيرة حسب الزبون: القادر يدفع والمتعثر أسايره بالسعر».هل تعود الشيبة هيبة؟التفاوت الطبقي الحاد في لبنان وصل الى الذقون. ففي حين قد يدفع البعض فوق المليون ليرة قص وحلاقة وصولاً الى 50 دولاراً مع «مسّاج ونتواياج»، يجد آخرون صعوبة في دفع 140000 للقصة ويؤجلونها قدرالإمكان ويشذبون اللحى في البيوت بما تيسر من خبرة وأدوات. ومن كان يشتري الجل لتصفيف شعره والزيت للعناية بلحيته صار اليوم يقلب المستحضر عدة مرات ويتأمله طويلاً قبل أن يرده الى مكانه على الرف وينصرف مسرعاً خارج المحل قبل أن تغلبه التجربة. حتى الشيبة عادت هيبة كما كانت في الماضي وما عاد كثر يصبغون شعرهم هرباً من كلفتها لا حبا بهيبتها.رغم كل هذا لا يزال اللبناني «العيوق» يحرص على الخروج بأجمل طلة وإذا ما احتسبنا النواب والوزراء الحاليين والسابقين والزلم والمرافقين والسماسرة والمتعهدين مع المغتربين العائدين أمكننا أن نقدر عدد الزبائن الذين ما زالوا قادرين على تحمل كلفة «رستقة شبابهم» وما يرافقها من بخشيش. وهذا ما يفسر فورة الصالونات الرجالية التي تنمو في بيروت بشكل خاص كما في بعض المناطق بشكل لافت لا يمكن إيجاد تبرير منطقي له. فقد بات عددها يوازي عدد الصالونات النسائية، كثيرها فخم جداً فيه أقسام خاصة للعناية ببشرة الرجال وجمالهم وغرف مقفلة مخصصة للشخصيات. ويروي أحد أصحاب الصالونات أن نائباً واحداً فقط من بين من يقصدونه وهو نائب شمالي يسأل عن الأسعار وكلفة تشغيل المحل وعن أحوال الزبائن وأحوال صاحب المحل وموظفيه فيما كل الباقين يتصرفون وكأنهم سياح يزورون المكان للرفاهية من دون أن يعنيهم ما نمر به من صعوبات مالية.