احتار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأمر رئيس “التيار الوطني الحر” السيد جبران باسيل. فمنذ أن طُرح اسمه لتولي مسؤولية حكومة ما بعد الانتخابات النيابية وحتى هذه الساعة لم يوفّر نائب البترون جاره ابن طرابلس من حملات أقّل ما يُقال فيها إنها مغرضة ومجحفة وغير سويّة وتفتقر إلى الحدّ الأدنى من الموضوعية.
لم يسمّه في الاستشارات النيابية الملزمة، وهذا حقّه الطبيعي، ولكن ما لا يمكن أن يكون من حقّه هو أن يعمل المستحيل لكي يعرقل قيام حكومة كاملة المواصفات. وما كان غير مفهوم من قِبَل البعض في حينه لم يعد كذلك اليوم. اليوم لم تعد الأمور خافية على أحد، لأن كل الأوراق المستورة قد أصبحت مكشوفة. فمن عطّل بالأمس القريب قيام حكومة بالمواصفات التي وضعها الرئيس المكّلف بعد أقّل من 24 ساعة من تكليفه يعطّل اليوم انتخاب رئيس للجمهورية لا يكون اسمه جبران باسيل.
فالأمور قد أصبحت واضحة لدى القاصي والداني، ولم يعد ينفع التلطّي وراء شعارات بالية ومنتهية الصلاحية، ولم تعد حجّة الدفاع عن حقوق المسيحيين تجدي نفعًا. فمعظم المسيحيين، الذين تهجرّوا حديثًا إلى كندا أو أستراليا أو إلى أي بقعة من بقاع الأرض الواسعة، إنما تهجرّوا من بلدهم الذي تحّول إلى “جهنم” بسبب السياسات المتهورّة، التي مارسها العهد الأصيل والعهد البديل.
فمنذ أن تعطّل تشكيل حكومة “اللي عمرا ما تتشكل إذا ما بيكون فيها جبران وزير”حتى اليوم ولبنان يعيش في ظل منطق التعطيل، وهو أهون ما يكون. فالحجج الواهية حاضرة دائمًا، خصوصًا بعدما أصبحت “الميثاقية” كـ “قميص عثمان”. إلاّ أن هذه الحجج لم تعد تصلح في هذا الزمن، الذي لم يعد المرض يميز بين من هو ماروني أو سنّي أو شيعي أو درزي أو أرثوذكسي أو كاثوليكي. فالمرض المتأتي والمتكاثر بسبب كثرة الهموم وقّلة العناية لا ينتظر أن يرضى السيد باسيل على انعقاد جلسة طارئة وضرورية لمجلس الوزراء. المرض إذا اُهمل لا يرحم ويصبح قاتلًا.
فمن يريد أن يدافع عن حقوق المسيحيين عليه أن يمتثل بمن يدافع عن حقوق جميع اللبنانيين. فالرئيس ميقاتي لم يكن يريد أن يدعو مجلس الوزراء إلى الانعقاد، على رغم تكدّس الملفات التي تحتاج إلى معالجات فورية، ولكنه عندما سمع ما سمعه من كلام قاله كل من وزير الصحة ورئيس وأعضاء لجنة الصحة العامة النيابية ومن نقيب أصحاب المستشفيات، وهو كلام تقشعرّ له الأبدان لما فيه من ظلم لاحق بالآف المرضى، الآيل مصيرهم إلى مضاعفات لا تُحمد عقباها، لم يتردّد للحظة وقرّر دعوة المجلس إلى الانعقاد وليحرد من يريد أن يحرد، وليعطّل من يريد أن يعطل، وهو في الأساس لا يفعل شيئًا سوى التعطيل والحرد ووضع العصي في الدواليب.
فلمن يقول إن جلسة اليوم الإثنين غير ميثاقية، وأن الحكومة بتراء أو عرجاء، نقول له وبالفم الملآن: إن الاهتمام بمرضى السرطان ومن يحتاج إلى غسيل كلىً أهمّ منك ومن ادعاءاتك الكاذبة. فما نفع “ميثاقية باسيل”، وهي التي أصبحت كشماعة يعلق عليها كل إخفاقاته، إذا تضاعفت حال أي مريض لا يمكنه أن يلقى العلاج الضروري والسريع والفوري.
فـ”الحجج الباسيلية” اليوم لم تعد تصلح لقلي أي عجّة. ويسأل أهالي المرضى، الذين ينتظرون أن يأتيهم الترياق: أيهما أكثر أهمية “ميثاقية” a la carte أم تأمين العناية الطبية لمريض مشرف على الموت إذا لم تتأمن له هذه العناية، وبسرعة. وقد يكون هذا المريض واحدًا من الذين ينتمون إلى هذه “الميثاقية الزائفة” وغير المقنعة.
وما يُقال عن جبران باسيل يمكن أن يُقال عن كل معترض على “جلسة الضرورة”، وقد يكونون في “النكد السياسي” وجهان لعملة واحدة.