يتكرر السيناريو نفسه عند كل اشتباك سياسي. رئاسة الجمهورية أصبحت تشحن غضبا رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. فجولاته الخارجية الفرنسية والقطرية لم تحمل له ما يبعث على الهدوء والاطمئنان رئاسيا، وما سمعه في الساعات الماضية من مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا أيضاً لم يحمل أية إيجابيات يمكن أن يبني عليها باسيل على المستوى الرئاسي.
ثمة من يقرأ في أداء باسيل والتصعيد الذي قاده في الساعات الماضية ضد انعقاد جلسة لمجلس الوزراء استهدافا لحزب الله قبل الرئيس نجيب ميقاتي، فالمواقف التي أطلقها في باريس ضد رئيس تيار المرده سليمان فرنجية كانت موجهة ضد حزب الله قبل سواه، فهو يتعمد الإكثار من الاشكالات التي من شأنها أن تربك الحزب في الداخل، علما أن القريبين جدا من حزب الله يشددون على أن حزب الله، بقدر حرصه على العلاقة مع التيار الوطني الحر ورئيسه، بقدر ما هو حريص على علاقته بالمكون السنّي، بقدر ما هو حريص على الاستجابة لمطالب الناس وقضاياهم المعيشية والصحية والاقتصادية. ولذلك يمكن القول إن إعلان الثنائي الشيعي المشاركة في الجلسة شكل غطاء لدستوريتها.
وربطاً بشؤون المواطنين وحاجات الناس الإستشفائية، جاءت دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى جلسة لمجلس الوزراء اليوم، بعيدا عن أي نكد سياسي، فحسن النية تظهر في خفض ميقاتي جدول الأعمال إلى 25 بنداً بعد التشاور مع أكثر من جهة سياسية وروحية قطعا للطريق على من تسول له نفسه أخذ البلد إلى توتر ، خاصة بعدما تبادر إلى مسامعه حديث عن محاولات لتحريك الشارع وتهديدات بالفتنة، وقد تظهر ذلك في أكثر من تغريدة لمسؤولين في “التيار الوطني الحر”.وفق زوار السراي لـ”لبنان24″، لا يعتمد الرئيس ميقاتي سياسة لي الأذرع مع أحد من المكونات السياسية من بينها “التيار الوطني الحر”، فهو أجرى اتصالات مع أكثر من مرجعية مسيحية من بينها البطريرك الماروني بشارة الراعي يوم السبت لتصويب الأمور وقطع الطريق على اية محاولات من شأنها أن تعطي جلسة مجلس الوزراء تأويلات في غير محلها ولا أساس لها من الصحة. فالبلد ليس بحاجة إلى معارك مفتعلة تحت عناوين مضللة للرأي العام لا تولد الا العصبيات وتأخذه إلى شحن طائفي.
وعليه، حرص ميقاتي على أن تبقى الجلسة محصورة في حدود حاجات الناس الصحية والتربوية وبالتالي تسيير أمورهم ومطالب العسكريين في الجيش والقوى الأمنية، خاصة وأنه منذ أن آلت صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مع خلو سدة الرئاسة الأولى، مارست حكومته تصريف الأعمال بالمعنى الضيق لكنه احتفظ بحقه الدستوري بالدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء في حال استجدت مواضيع طارئة وضرورية.وسط ما تقدم، تقول مصادر سياسية في 8 آذار لـ”لبنان 24″، إن باسيل يتعاطى مع جلسة مجلسة الوزراء كما تعاطى مع مسألة التكليف قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. المنطق نفسه يتكرر. فرئيس التيار الوطني الحر “يحقن شعبويا” تحت عنوان حماية صلاحيات الموارنة، ويحاول التقدم على “القوات اللبنانية” في شد العصب المسيحي والأهم أنه يريد أن يثبت للجميع من الحلفاء قبل الخصوم أنه لا يزال حاضراً ومؤثراً ولاعباً اساسياً على المسرح السياسي لا يمكن تجاوزه. وتختم المصادر بالقول “من يخوض معارك حقوق المسيحيين لا يطيح بصحتهم وباستشفائهم وبأدويتهم لتصفية حسابات سياسية”.جلسة مجلسة الوزراء في موعدها اليوم، ووضعت الجميع أمام مسؤولياتهم وسوف تسهم في إسقاط الأقنعة عن الوجوه الحقيقية للوزراء. ومساء أمس، قال وزير الصحة فراس الابيض متوجها إلى الوزراء التسعة اللذين أعلنوا عدم المشاركة في جلسة مجلس الوزراء: “فلننزل لنبتّ البنود الأساسية والمتعلقة بالصحة، وعند الوصول إلى بنود لا يعتبرونها مهمة فلينسحبوا ويفرطوا النصاب”.إن انعقاد مجلس الوزراء للضرورات القصوى ليس استهدافا لأي مكون سياسي، والدستور لا يحرم حكومة تصريف الأعمال من عقد جلسة لمعالجة الأمور الضرورية وتسيير المرافق العامة، يقول رئيس مركز ليبرتي للدراسات القانونية والاستراتيجية محمد زكور لـ”لبنان 24″، مضيفا “المراسيم الجوالة هي هرطقة على الطريقة اللبنانية فليس هناك أي خطر أمني يمنع الوزراء من الحضور والمشاركة “.