رسائل جلسة الحكومة تتخطى الاصطفافات.. هل يتلقفها باسيل؟

6 ديسمبر 2022
رسائل جلسة الحكومة تتخطى الاصطفافات.. هل يتلقفها باسيل؟


بعيدًا عن التحليلات والاستنتاجات السياسية التي ذهب بعضها للحديث عن “منتصر” و”خاسر” من “الاشتباك” الذي فجّرته جلسة الحكومة التي عقدت بدعوة من رئيسها نجيب ميقاتي، قد يكون كلام الأخير عن وجوب “فصل السياسة عن العمل الحكومي المطلوب لخدمة أمور الناس ومعالجة الملفات التي تهم المواطنين” أكثر من كافٍ لتغليب منطق “التعاون” اللازم في سبيل “تمرير هذه المرحلة الصعبة جدًا”.
 
فصحيح أنّ هناك من اعتبر أنّ الرئيس ميقاتي كان “الرابح الأكبر”، بقدرته على عقد جلسةٍ بنصاب كامل لحكومته، على الرغم من كلّ الحملات السياسية التي أحاطت بالاجتماع المقرّر، وسعت لـ”الإطاحة” به، بضربة “ثلث معطّل” تبيّن أنّه لا يعكس الحقيقة، وصحيح أنّ هناك من اعتبر في المقابل، رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، “الخاسر الأكبر”، بعدما “استنفر” لمنع التئام الحكومة، ولم يكن له ما أراد.
 
لكنّ الصحيح أيضًا، قبل هذا وذاك، أنّ “رسائل” جلسة الحكومة تخطّت، في مضمونها، كلّ هذه “الاصطفافات”، بعدما أراد رئيسها إبعادها عن كلّ “المناكفات”، ليؤكد مرّة أخرى على أنّ لغة “التعاون” مطلوبة من الجميع، بدليل تجاوبه مع طلبات “حصر” جدول الأعمال، واحتضانه اجتماعًا تشاوريًا، ليبقى السؤال عمّا إذا كان المعترضون، وخصوصًا باسيل، سيتلقّفون “المعادلات” المستجدّة ويعملوا على أساسها، بما يخدم مصلحة البلد.
 
“لا غالب ولا مغلوب”
إلى منطق “لا غالب ولا مغلوب”، يستند الفريق الذي كان مؤيّدًا لالتئام الحكومة من الأساس، لمعالجة القضايا “الملحّة والأساسيّة” التي تمسّ قضايا المواطنين، وحقّهم البديهي في الطبابة، ليرفض الخوض في سجال “الرابحين والخاسرين”، فالهدف من جلسة الحكومة برأي هؤلاء، كان إنسانيًا بحتًا، وهو لم يكن محاولة لتحدّي أو استفزاز أو حتى مواجهة أيّ من الأفرقاء، كما أوحت بعض التحليلات والقراءات من هنا أو هناك.
 
يتوقف هؤلاء عند سلسلة “مفارقات” سبقت جلسة الحكومة، أو رافقتها، تؤكد على هذه الروح “الإيجابية”، فرئيس الحكومة لم يتأخّر في “التجاوب” مع طلبات اقتصار جدول الأعمال على ما اعتُبِرت قضايا “استثنائية”، وهو لم يخض أيّ سجال، حتى بعد صدور البيان “الموقّع” من تسعة وزراء يعلنون فيه مقاطعة الجلسة، ليكتفي مكتبه الإعلامي بالتأكيد على أن الجلسة تبقى “قائمة” في موعدها، وهو ما تمّ في نهاية المطاف.
 
وفيما يلفتون إلى حديث الرئيس ميقاتي بعد الجلسة، حين رفض توصيف “الوزير الملك”، واضعًا الجميع في خانة “خدمة الناس”، يشيرون إلى أن المشكلة تكمن لدى البعض الذي أصرّ على وضع نفسه في “المواجهة” رغم كلّ شيء، إلا أنّ هذا “البعض” قد يكون مُطالَبًا اليوم بقراءة “متأنية” لما حدث، من أجل إعادة “حساباته” في المرحلة المقبلة، لأنّ هموم المواطنين الملحّة يجب أن تأتي بالدرجة الأولى، قبل أيّ شيء آخر.
 
“معادلات جديدة”
رغم ما سبق، بقيت الأنظار متّجهة نحو موقف رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، ربما لأنّ الأخير أصرّ حتى اللحظة الأخيرة على خوض “معركة” منع التئام الحكومة، بوصف اجتماعها “غير قانوني ولا دستوري”، وفق اجتهاده الخاص، المنطلق من أنّ الحكومة مستقيلة، وعليها ممارسة تصريف الأعمال في إطارها الضيّق، رغم أنّ “هموم الناس” تندرج بلا شكّ ضمن هذا “الإطار الضيّق”، وفق ما يؤكد جميع الخبراء.
 
وإذا كان باسيل لجأ إلى الرئيس السابق ميشال عون لدعمه في “معركته”، قبل أن “يستنفر” مجموعة من الوزراء لإعلان “المقاطعة”، ظنًا منه أنّه بذلك يطيّر النصاب المطلوب لالتئام الحكومة، فإنّ “الصفعة” أتته مزدوجة، من وزير الصناعة المحسوب على “الطاشناق” الذي حضر رغم ورود اسمه في بيان “المقاطعة” المشترك، ومن “حزب الله” الذي يقال إنه ضرب “أكثر من عصفور” بحجر، بعدما كان باسيل يظنّ أنّه سيتضامن معه.
 
وبمعزل عن ارتباطات هذه الرسائل بالاشتباك السياسي الحاصل، خصوصًا على مستوى ملف الانتخابات الرئاسية، التي لا يبدو أنّ باسيل “يتقاطع” مع “حزب الله” في مقاربتها، فإنّ الثابت وفق ما يقول المراقبون أنّ جلسة الحكومة ثبّتت “معادلة جديدة”، قوامها أنّ باسيل لم يعد “حاكمًا بأمره”، وأنّ الكرة لم تعد في ملعبه، وأنّ عليه تقبّل “الأمر الواقع”، واحترام أصول اللعبة السياسية، بعيدًا عن سياسة “فرض” آرائه واجتهاداته على الجميع.
 
قد تكون الرسائل السياسية، ذات الطعم “الرئاسي”، حاضرة بالنسبة إلى بعض الأطراف، على هامش جلسة الحكومة، في ظلّ “التعقيدات” المحيطة بالمشهد السياسي، “العالق” عند نقطة “الفراغ” الذي يبدو مفتوحًا. لكنّ الأكيد أنّ المطلوب “فصل” الملفات السياسية عن تلك الإنسانية، فالمواطنون يريدون من يرأف بحالهم، لا من يجرّهم إلى الهاوية، في سياق مسعاه لتحقيق بعض المكاسب “الآنية”، ولو كانت على حساب صحتهم وحياتهم الحرة والكريمة!