لم يكن الخطاب الاخير لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تفصيلاً في المعادلة السياسية اللبنانية، إذ إنه انتهج لهجة عالية السقف خصوصاً بوجه حليفه الاساسي “حزب الله” الذي لم يعلّق حتى الان على التصعيد “العوني” الذي تخطّى باسيل ليشمل قيادات في “التيار” ونوابا في “تكتل لبنان القوي”.
مما لا شكّ فيه أن تصعيد باسيل الكبير لا يعني أبداً أنه بدأ برسم الخطوط الاولى لفضّ تحالفه مع “حزب الله”، إذ إن كل ما حصل وقد يحصل في الايام المقبلة من نبرة حادة بين الطرفين لا يزال تحت السقف المعروف والمسموح به للمناورة بين الحليفين اللذين يتمسّكان بالتفاهم الذي يربطهما، علماً انها ليست المرة الاولى التي تهتزّ فيها ركيزة هذا التفاهم من دون أن يقع، غير أن هذه المرة يبدو ان العلاقة وصلت الى مستوى من التراجع غير مسبوق وسط استياء كبير من قِبل “الحزب” والذي تبلّغه باسيل اكثر من مرة عبر وسطاء نقلوا رسالة تمنّي مفادها ضرورة التهدئة، لكنّ باسيل الذي يتصرّف في لبنان على مبدأ “الحاكم بأمره” ظلّ يناور بدءاً من الملفّ الحكومي، مروراً بالملف الرئاسي ووصولاً الى جلسة مجلس الوزراء قبل أيام.
لا يمكن لأحد أن ينفي تداعيات خطاب النائب جبران باسيل الاخير لا سيّما على مستوى القضايا المحلية والملفات الحساسة التي لا يبدو أن “الوطني الحر” قادر على التفاهم حولها مع “حزب الله”. وترى مصادر سياسية متابعة أن باسيل قد دقّ ناقوس الخطر للدفع بالحزب نحو نقاش مفصّل حول الاستحقاق الرئاسي بهدف الوصول الى صيغة مشتركة تعيد، إن أمكن، ترتيب التفاهم بين الطرفين.
وتعتبر المصادر أنّ كل المراهنات على فكّ التحالف المتصدّع بين “حزب الله” و”الوطني الحر” ستسقط أمام عدم وجود بدائل سهلة للاخير تمكّنه من بناء تحالفات جديدة، خصوصاً وان كل القوى السياسية الأخرى باتت تشكّل خصماً لدوداً لباسيل الذي لم “يترك له صاحباً” في الساحة اللبنانية.
وبالعودة الى تداعيات الخطاب “القوي”، من حيث النبرة الحادّة والسقف العالي، فإن إحدى أهم تأثيراته تظهّرت من خلال التفاف النواب السنّة والقيادات السنيّة حول رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. إذ إن الغالبية العظمى من الشخصيات السُّنية رفضت كلام باسيل “الفوقي” معلنة استنكارها للهجوم الذي شنّه على رئيس الحكومة، الامر الذي أظهر بأن الواقع السنّي لا يزال متماسكاً وأن ميقاتي قد خطا خطوات ناجحة في اعادة الامساك بهذا الموقع وتدعيمه بعد الاضرار التي حاول “العهد” السابق بشتى الوسائل إلحاقه بها.
من المتوقّع أن تكون الايام المقبلة حاسمة لجهة التطورات والمسار الذي سيتخذه “التيار الوطني الحر” في الملفات السياسية والاستحقاق الرئاسي، وهذا الامر سيكون له دلالة حول كيفية تعاطيه مع “حزب الله” في هذه المسائل. من هُنا، يترقّب مراقبون الخطوات الجديدة لرئيس “التيار” جبران باسيل ليبنى عليها شكل المرحلة المقبلة في لبنان.