واجه القطاع المصرفي اللبناني في السنوات الأخيرة تحديات عدة، من بينها عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي وارتفاع مستويات الدين العام وانخفاض الاستثمار الأجنبي، إضافة إلى تغاضي السلطة السياسية طيلة 15 عشر سنة عن ممارسة الرقابة اللازمة على عمل القطاع المصرفي بالإضافة إلى تقاعس السلطة التشريعية عن إقرار الإصلاحات الضرورية المطلوبة لحماية هذا القطاع.
اليوم تشكل إعادة هيكلة القطاع المصرفي أمرًا ضروريًا لمواجهة هذه التحديات وتحسين الاقتصاد. وقد جرت إحالة مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف إلى المجلس النيابي في حين أن مشروع قانون استعادة التوازن المالي في مرحلته الأخيرة وفي طريقه إلى التحويل إلى المجلس النيابي.لا شك أن عددا من المصارف يواجه قيودًا على السيولة وانخفاض الربحية. وقد أدى ذلك إلى انخفاض الإقراض وزيادة تكاليف الاقتراض، مما زاد من إعاقة النمو الاقتصادي للبلاد. ومن أجل مواجهة هذه التحديات ، تحتاج الحكومة ومصرف لبنان المركزي،بحسب الخبير الاقتصادي والمالي بلال علامة لـ”لبنان 24″، إلى تنفيذ إصلاحات هيكلية وتحسين الإطار التنظيمي للقطاع المصرفي. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة لمزيد من الشفافية والمساءلة في القطاع بهدف استعادة الثقة والاستقرار. فإعادة إعادة هيكلة القطاع المصرفي ، بحسب علامة تتطلب مجموعة من الإصلاحات التنظيمية، ربطا بتعزيز ممارسات إدارة المخاطر، والتدابير المستهدفة لمعالجة المستويات المرتفعة للقروض المتعثرة وتعاون كل من القطاعين العام والخاص ، فضلاً عن الدعم الدولي، لتحقيق النجاح .وقد لا تقتصر عملية إعادة هيكلة القطاع المصرفي على إصلاحات وتشريعات تنظيمية للقطاع بل تتعدى ذلك إلى تغيير في وضع المصارف العاملة في لبنان وعددها وقدرتها على الإلتزام بالشروط الجديدة المطلوبة.
لقد خضع القطاع المصرفي لتدابير عدة فرضت بتعاميم من مصرف لبنان بغية ترتيب أوضاعه قبل إعادة الهيكلة وتحديداً التعميم 154 الذي اشترط على المصارف اللبنانية رفع رأسمالها بقيمة 20 % إضافة لحث مودعيها الذين قاموا بتحويل أموال للخارج بإعادة جزء منها. فمصرف لبنان، بحسب علامة، حاول لملمة آثار الأزمة التي أطاحت بأموال صغار ومتوسّطي المودعين في المصارف، لكن بطرق اعتبرها البعض غير صحيحة، ومنها الطلب من المصارف”حث عملائها الذين قاموا بتحويل ما يفوق مجموعه 500 ألف دولار أو ما يوازيه بالعملات الأجنبيّة إلى الخارج، على إعادة جزء من أموالهم، بما يوازي نسبة 15 في المئة من القيمة المحوّلة”، وهو ما يتضمّنه التعميم رقم 154 الصادر في 27 آب من العام 2020. لكن بعض المصارف، منذ إصدار التعميم، لم تستسغه ولم تلق تجاوباً من المودعين الذين حوّلوا أموالهم، لأن التحويلات قانونية. مع الإشارة إلى أن المصرف المركزي، قرّر إعادة تفعيل قراره من خلال طلب هيئة التحقيق الخاصة “من جميع المصارف العاملة في لبنان أن تسلم الهيئة لوائح تتضمن أسماء من التزم من فئة PEP من العملاء (المعرّضين سياسياً) بالتعميم 154 وأعاد إلى حساباته المصرفية في لبنان النسبة المطلوبة من الأموال في الخارج حسب التعميم المذكور”.
وكما بات معلوما، كان على المصارف “تبليغ هيئة التحقيق الخاصة بأسماء الممتنعين عن الالتزام بالتعميم 154 في فترة أقصاها نهاية شهر آذار 2022. وهذا يشمل أيضاً الايداعات النقدية التي تمت في الفترة الممتدة من تموز 2017 ولغاية نهاية شهر كانون الأول 2020 إذا كان المستفيد مصنف PEP”. كما أشار المصرف المركزي إلى أن الهيئة “اتخذت قراراً بتحديث بيانات الـ KYC للعملاء المعرّضين سياسياً (PEP) بتاريخ 3 آذار 2022. وعلى المصارف إبلاغ هيئة التحقيق إذا كانت هناك شكوك تستوجب الإبلاغ عنها”.لكن رغم التعاميم ومهل الالتزام بقي عدد من المصارف اللبنانية عاجزاً عن تنفيذ الموجبات، علما أنه كان من المفترض، بحسب علامة، أن تعمد هيئة التحقيق الخاصة إلى رفع تقريرها عن المصارف الذي يشير بوضوح إلى المصارف التي التزمت بالكامل والمصارف التي إلتزمت جزئياً وتلك التي لم تستطع الإلتزام على أن يتضمن التقرير أيضاً اقتراحا بإعادة هيكلة القطاع وفق مقتضيات العمل المصرفي العصري المطلوب مع خطة النهوض المالي للبنان.شرعت السلطة النقدية، ممثلة بالهيئة المصرفية العليا في البنك المركزي، باتخاذ تدابير بحق عدد من المصارف التي تواجه صعوبات بنيوية او تصنفها “متعثرة” او غير مستجيبة لمقتضيات التعاميم التنظيمية، الا ان قرار مصرف لبنان تعيين مديرين مؤقتين لبنك البركة وفيدرال بنك أدى إلى نشوب سجال حول هذا التدبير الذي اتخذه المركزي مما ينبىء، بحسب علامة، بأن هذا التدبير سيلحقه تدابير أخرى لمصارف أخرى لم تتقيد بالتعاميم التي أصدرها أو هي لم تستطع تشذيب وضعها الذي طالب به مصرف لبنان من خلال التعميم 154 والذي يطالب المصارف بزيادة رأسمالها بنسبة 20 في المئة.واتخذ التدخل المفصلي صيغة قرارات بحل مجلسي إدارة مصرفين وتعيين مديرين مؤقتين وتوجيه تنبيهات لعدد آخر يرجّح شموله لمصرفين آخرين، فيما تواصل الهيئة المصرفية، وفق علامة، التحقق من ملفات بنوك إضافية تعاني بنيوياً من مشكلتي السيولة و/ أو الملاءة، وتعهدت إدارتها بضخ اموال خاصة تفي باستعادة التوازن والالتزام بمقتضيات التعاميم الصادرة عن البنك المركزي ذات الصلة بتلبية السحوبات لصالح المودعين بالدولار وبالليرة ضمن نطاق السقوف والحصص المحددة.وأوضح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان تعيين مدير مؤقت على أي بنك ليس بهدف إفلاسه، و”نأمل أن يتمكن المدير المؤقت من تأمين التوازنات وأن تكون هذه المحاولة ناجحة”، ليؤكد في المقابل، أن “المطلوب هو تطبيق تعاميم مصرف لبنان والمصارف التي لا تطبق التعاميم تحال إلى الهيئة المصرفية العليا وهي هيئة مستقلة عن مصرف لبنان وقراراتها غير قابلة للمراجعة”.ويقول علامة في هذا السياق، وفق منطوق المادة 208 من قانون النقد والتسليف، يحق للمصرف المركزي ان ينزل بالمصرف المخالف عقوبات إدارية تشمل بالتدرج او مباشرة التنبيه، وتخفيض تسهيلات التسليف المعطاة له او تعليقها، ومنعه من القيام ببعض العمليات أو فرض أية تحديدات اخرى في ممارسته المهنة، وتعيين مراقب أو مدير مؤقت، ووصولاً إلى شطبه نهائياً من لائحة المصارف، فيما تنص المادة 209، قرار العقوبات يتم اتخاذه من قبل الهيئة المصرفية العليا المنشأة بموجب المادة 10 من القانون الرقم 28/67، علماً أن قرارات هذه الهيئة لا تقبل أي طريق من طرق المراجعة العادية وغير العادية الادارية أو القضائية، وبالتالي تكون قرارات اللجنة غير قابلة الاستئناف.فهل تكون الخطوة التي قام بها مصرف لبنان خطوة الميل الأول في رحلة الألف ميل بإعادة تنقية القطاع المصرفي من الشوائب والمصارف المتعثرة تمهيداً لإعتبار أن إعادة الهيكلة قد تمت بموجب منطوق قانون النقد والتسليف؟