مخاوف تؤجّل الإنجاب في لبنان

12 ديسمبر 2022


كتبت “الأخبار”: لم يعد خيار الإنجاب باليسر الذي كان عليه سابقاً. صار الثنائي يحسب له ألف حساب. حسابات معيشية وصحيّة وأمنيّة وجغرافيّة وثقافية… وحتى مناخيّة. كلّها مخاوف ترتبط بالقدرة على تحمل مسؤوليّة طفل في الظروف الصّعبة المحيطة. هكذا تحوّلت نصيحة «بيجي الولد وبتجي رزقتو معو» إلى نكتة، لا تنطلي على زوجين يتخبّطان لتأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهما، في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة وتضخّم أسعار جنوني. المخاوف من عدم القدرة على إطعام المولود وتأمين حقه في الطبابة واللباس والتعليم والترفيه… كلّها تدفع نحو تأجيل مجيئه إلى الحياة.

ومن يتابع عن كثب أخبار الكوكب، ويقلق فعلاً من الكوارث المناخيّة التي نعيشها، يرى أن التناسل ظلم للأجيال القادمة التي «سترث أرضاً غير صالحة للحياة». ومن يراقب المسار الصحي الخطير الذي نسلكه، وتكاثر الأوبئة والأمراض والفيروسات… في ظل جهاز صحي مهترئ في لبنان، «يرعبه» تحمّل مسؤولية طفل.قبل مجيء جاد إلى الحياة منذ أربع سنوات، كانت مخاوف والده ماهر تقتصر على حجز الحرية. لكن، «منذ اللحظة الأولى التي أمسكت فيها به، تلاشت كلّ مخاوفي واعتراني شعور جميل جداً، حتى صار جاد زينة حياتي». يخطر على باله أن يأتي له بأخ أو أخت «لعدة أسباب من بينها الشعور بالطمأنينة الذي تبعثه العائلة الكبيرة مقابل الخوف من الشعور بالوحدة في الكِبر»، ثم يقمع أمانيه «ثقل المسؤولية المترتبة على الإنجاب في ظروف كهذه». يشرح: «لا أستطيع أن أؤمّن له الحماية من الأمراض والأوبئة التي لا تنتهي، وإذا حافظت على قدرات مادية يحتاج إليها، فإن الوضع العام في البلاد غير مطمئن ولا سيما انقطاع الأدوية واللقاحات وحليب الأطفال»…
إلى جانب الظروف العامة الضاغطة على الأهالي، هناك من يتردّد في الإنجاب بسبب الخوف من مسؤولية الأمومة والأبوة، وعدم استعداده النفسي لحملها. بعد أيام، ستُزفّ سارة عروساً. لن يزيّن الأولاد عشّها الزوجي لسنوات قادمة. فـ«بعد بكير»، تجزم. لماذا؟ تجيب: «لا تزال فكرة الزواج جديدة وأحاول استيعابها، ولن أنشغل باستيعاب فكرة جديدة أخرى هي الإنجاب». وتضيف: «ما زلت صغيرة لأكون أماً، فأنا في الـ22 من عمري وأريد متابعة دراستي الجامعية والعمل، كما أريد أن أعيش شبابي». يشجّعها زوجها على قرار تأجيل الإنجاب. فهو يكبرها بسنة واحدة ولا يستعجل حمل مسؤولية الأبوّة وتحميل زوجته مسؤولية الأمومة.وكما تريد سارة أن «تعيش حياتها» قبل أن تصير أمّاً، تخاف ريم على مساحتها الشخصية إذا حقّقت أمنية زوجها وحملت بالولد الرابع. يكرّر على مسمعها كلما أخبرته أن لا وقت لذلك: «أمك أنجبت عشرة وأنت تستكثرين عليّ أربعة؟» فتجيبه: «ذلك زمان غير زماننا». ترى أن المولود الجديد يحتاج إلى وقت واهتمام لا تستطيع توفيرهما، فهي تعمل بدوام طويل وتطمح لمتابعة دراساتها العليا. وتشكو: «عدم تعاون زوجي ورميه الحمل كلّه عليّ»، وتخاف إن أنجبت ولداً رابعاً «أن يجدها حجّة ليضغط عليّ لأترك عملي».