مَن تابع المقابلة التلفزيونية الأخيرة لرئيس “التيار الوطني الحر” النائبجبران باسيل شعر أن الرجل لم يكن نفسه ذلك الذي لم يتردّد قبل أقلّ من أسبوع بالتشكيك بـ”صدقية الصادقين”، حين اتهمهم بـ”النكث بالوعود”، فاتحًا الباب أمام “النخبة” في تيّاره، معطوفة على جمهوره “الافتراضي”، لشنّ “حرب كلامية” على الحليف، أو ربما الصديق، الذي “ضرب الشراكة الوطنية”، أي “حزب الله” بمنظوره.
فرغم الشعارات “المتناغمة” مع خطابه الأول، والتي حرص باسيل على رفعها في خلفيّة الشاشة، من قبيل أنّ “لا قيمة لأي تفاهم وطني يناقض الشراكة المتوازنة”، أو حتى “دورنا سلاحنا”، إلا أنّ مضمون كلامه بدا “دفاعيًا تبريريًا” في أحسن الأحوال، بدءًا من “تحييد” الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله عن شكوكه، باعتباره “غير كل الناس”، وصولاً إلى “تفهّم” هواجس الحزب، وإن أوحى بأنه لا يتقاطع معها بالمُطلَق.
وحتى لو استهلّ باسيل حديثه التلفزيوني بالتأكيد على أن تفاهم مار مخايل الذي يربطه بـ”حزب الله” بات على المحكّ، إلا أنّ المضمون أوحى بأنه يتراجع “خطوة للوراء”، ساحبًا ما قاله بحقّ الحزب، ومتبرئًا ربما من هجوم بعض نوابه وجمهوره، “العفوي” ربما، وذلك في إطار سعيه لإعادة “تحصين” التفاهم، الذي يبدو أنّ باسيل مقتنع بأن “لا بديل” عنه بالنسبة إليه، وأن “الالتباس” الذي حصل أنه لم يكن يتوقع أن يردّ “حزب الله” عليه!
باسيل “يحتوي” الخلاف؟
في حديثه التلفزيوني، بدا واضحًا أنّ باسيل يرغب في “احتواء” الخلاف المستجدّ مع “حزب الله”، بعد وصوله إلى “الذروة” الأسبوع الماضي من خلال بيانين مضادَّين، شكّلا أول “سجال علني” من نوعه بين الحليفين-الصديقين، منذ إبرامهما تفاهم مار مخايل قبل سنوات، ولو تعمّد تكرار بعض الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، من قبيل أنّ “وجودنا أهمّ”، وأنّ “دورنا سلاحنا”، أو أنّه لا يمكن أن يقبل بأي محاولة “إلغاء” لفريقه أو تيّاره.
في السياق، مرّر باسيل العديد من رسائل الودّ، “التصحيحية” ربما لموقفه السابق، ولو لم يتراجع عنه صراحةً، من رفضه الإيحاء بأنّه قصد السيد حسن نصر الله بحديثه عن “الصادقين”، باعتبار أنّ الاتفاق المزعوم لم يتمّ معه بشكل مباشر، وصولاً إلى قوله إنّه يتفهّم امتعاض الحزب من التشكيك بـ”صدقيته”، مرورًا بتبنّيه فكرة “حماية المقاومة”، ولو وضعها في قالب آخر يتماشى مع “أجندته”، من خلال اعتبار المقاومة “جزءًا من كلّ”، وليست “الهدف” بحدّ ذاته.
يقول العارفون إنّه كان واضحًا من حديث رئيس “التيار الوطني الحر” أنّ يرغب في إنهاء “الخلاف”، وفتح باب “الحوار” مع “حزب الله” من جديد، وهو حرص على عدم استفزازه بأيّ شكل، حتى حين تحدّث بما لا “يرضي” الحزب في الملف الرئاسي مثلاً، حين جدّد رفضه دعم ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، مفترضًا أنّ الحزب سيتخلّى عنه، باعتبار أنه فهم منه أنّه لا يمكن أن يمضي بخيار لا يوافق عليه “العونيّون” بالدرجة الأولى.
لماذا تراجع باسيل؟
هكذا، يمكن القول إنّ باسيل “تراجع” خطوة للوراء وربما أكثر من ذلك بكثير، في إطار “كباشه” مع “حزب الله”، ولو أنكر “العونيّون” ذلك، وهم أنفسهم الذين لم يوفّروا “حزب الله” من انتقاداتهم العنيفة قبل أقلّ من أسبوع، ليتحدّثوا عن “غدر وخيانة”، وفي صفوفه من اختار أن يذهب بعيدًا في “نعي” تفاهم مار مخايل، وتحديد مواقيت الدفن، في مواقف اعتُبِرت “منسجمة” مع المؤتمر الأول لباسيل، والذي استدعى ردًا صريحًا من “حزب الله”.
ثمّة من يقول إنّ “التيار” كان يتوقع أن يلتزم “الحزب” بالصمت على جري العادة، ثمّ يسعى لحلّ الأمر بالغرف المغلقة، فيكون “العونيون” قد ضربوا أكثر من عصفور بحجر، عبر تحقيق هدف “الشعبوية” من دون تعريض التفاهم لأي اهتزاز جدّي، إلا أنّ موقف “حزب الله” فاجأهم وفرض عليهم تغييرًا في المقاربة، من دون “الانقلاب” عليها، علمًا أنّ العارفين يجزمون بأنّ “التيار” لا يمكن أن يكون مع “فكّ” التفاهم في هذه المرحلة بالتحديد.
ويعتبر هؤلاء أنّ هذا بالتحديد هو “سرّ” إعادة التموضع “الباسيلي”، إن جاز التعبير، فرئيس “التيار الوطني الحر” يعرف أنّ مصلحته تبقى بالوقوف إلى جانب “حزب الله”، فهو من دونه يصبح بلا حليف، بعدما خسر على مدى سنوات “العهد” كلّ الأصدقاء الذين تفاهم معهم سابقًا، وهو يدرك أنّ “حزب الله” وحده قادر على ضمان “الحيثية” التي يريدها، ولو أنّه يعرف أنّ المصلحة هنا “متبادلة”، باعتبار أنّ الحزب يحتاج إليه أيضًا.
يقول البعض إنّ “مصير” تفاهم مار مخايل سيكون شبيهًا بسائر التفاهمات التي أبرمها “العونيون” قبل وصول الرئيس ميشال عون إلى بعبدا، وذهبت مع الريح، ويستدلّون على ذلك ببعض ما خرج على لسان الجمهور “العوني”، في “لحظة التخلي” الأسبوع الماضي. لكنّ الثابت أنّ “التيار” لن يكون المبادِر إلى “دفن” هذا التفاهم اليوم بالتحديد، قبل إنجاز استحقاق الرئاسة، وقبل ضمان “بديل” يبدو واضحًا أنّه ليس متوافرًا!