منذ سنوات، غاب المسؤولون عن السمع وعن الالتفات الى أنين المواطنين، وطنشوا عن كل التقارير الدولية التي تحذر من خطورة الوضع في لبنان، ولا يهمهم اعلان منظمة “هيومن رايتس ووتش” أمس أن غالبية الناس عاجزة عن تأمين حقوقها الاجتماعية والاقتصادية، وأن اللبنانيين يقلّصون كميات طعامهم، ولا يعنيهم أن تتحدث أكثر من جهة أمنية عن الخطر الداهم، وأن الأمور متجهة نحو الأسوأ اذا لم ينتخب رئيس للجمهورية بسرعة، والأوضاع آخذة في التفاقم، والوضع الاجتماعي سينفجر عاجلاً أم آجلاً، والأنكى من كل ذلك، لا يقدرون ولا يستشرفون خطورة ما يجري من حوادث متنقلة في المناطق، التي تبدو في ظاهرها عابرة وبسيطة، لكنها تنذر بتداعيات قاتمة لن تتمكن أي جهة من تلافيها واحتوائها مهما عظم شأنها، وآخرها اطلاق شاب الرصاص على شاب آخر في طرابلس اثر خلاف على أفضلية المرور.
بعد كل ما صنعته السلطة التي تفتح ملفات فساد وتطنش عن أخرى، لم يعد غريباً أن نسمع مثل هذه الحوادث، واستسهال استخدام السلاح لأتفه الأسباب لأن المسؤولين لم يتركوا منفذاً واحداً لعبور الناس الى بر الأمان، وأطفأوا بصيص النور في النفق المظلم، ولا يهتمون سوى بأفضلية مرورهم نحو المواقع السلطوية، فيضيئون الاشارات الخضر ويشعشعون كل المنارات في طريق تحقيقهم المزيد من المكاسب والمصالح، ومن بعد ذلك، على الدنيا السلام وعلى الشعب الموت في الظلام تحت الركام.
تمر الأشهر والأسابيع والأيام، ولا حل في الأفق. تعقد المؤتمرات الدولية والقمم العالمية، ولبنان على جدولها، لكن لا نتيجة الى اليوم، ويؤكد قادة العالم أن “الحلول يجب أن تنبع من الداخل، لا تنظروا إلينا بل إلى مسؤوليكم لتجدوا الاجابات عن كيفية الخروج من الأزمة”، كما قال بالامس الباحث في “مركز ويلسون للدراسات” السفير دايفيد هيل.
والأسبوع الحالي حاسم في الحوارات النيابية والوزارية إن كتب لها النجاح، ففي حين ينتظر رئيس مجلس النواب نبيه بري رد الكتل على الحوار الذي دعا اليه يوم الخميس عله يتمكن من خرق جدار تعطيل الانتخابات الرئاسية، يبدو أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يسعى أيضاً الى الحوار والتفاهم مع الوزراء على الخطوات التي يمكن القيام بها في المرحلة المقبلة، وذلك اثر البلبلة التي نتجت عن الاجتماع الأخير للحكومة.
وحطّ صباح أمس في بكركي، موضحاً ومستمعاً الى سيد الصرح البطريركي، وقال: “الجلسة دستورياً جاءت في موقعها الصحيح، وطائفياً أنا لا أسمح بالحديث في هذا الموضوع بتاتاً، لأنه ليس طائفياأ ولا تمييز بين مواطن وآخر.
اما في ما يتعلق بالميثاقية، فلا يجوز في كل مرة ان نتحجج بها، وكان هناك تمثيل كامل لكل الطوائف في مجلس الوزراء.
اما في الشق السياسي، فالمسألة هي محور أخذ ورد، ولكن سنبقى مصرين على متابعة أمور المواطنين ومعالجتها.
لفت نظري البطريرك الى أنه ربما كان من الأفضل التشاور مع جميع الوزراء قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء، واتفقنا على جلسة تشاور قريباً للتفاهم على الخطوات في المرحلة المقبلة”.
زيارة ميقاتي جاءت بعد لقاء البطريرك بشارة الراعي يوم الجمعة الفائت كلاً من الرئيس السابق ميشال عون، ورئيس تكتل “لبنان القوي” النائب جبران باسيل، اللذين وضعاه في ظروف انعقاد مجلس الوزراء، مكررين موقفهما من عدم دستورية اجتماعات حكومة تصريف الأعمال، شاكين له الخطيئة الوزارية الميقاتية المميتة، بعد اشارة البطريرك في عظة الأحد إلى أنه كان قد تمنى على ميقاتي “إعادة النظر في انعقاد الجلسة وتأجيلها من أجل مزيد من التشاور، لكن الحكومة مع الأسف عقدت جلستها بمن حضر وكان ما كان من معارضة”، مناشداً “الحكومة التأني في استعمال الصلاحيات حرصاً على الوحدة الوطنية ومنعاً لاستغلال البعض مثل هذه الاجتماعات لأغراض سياسية وطائفية”.
ولفتت مصادر مقربة من الرئيس ميقاتي لموقع “لبنان الكبير” الى أن الزيارة تأتي في اطار الزيارات التي يقوم بها ميقاتي بصورة دورية الى المرجعيات الأساسية، ويعتبر البطريرك الراعي أحد هذه المرجعيات.
الزيارة ليست رداً على أي زيارة أخرى انما لتوضيح اللغط حول اجتماع الحكومة الذي اتخذ منحى طائفياً بالاضافة الى مناقشة بعض المسائل.
مع التأكيد أن رئيس الحكومة لم ولن يدعو الى جلسة وزارية الا وفق ما تقتضيه الضرورات والأمور الملحة، ولا يرغب في استعداء أحد أو استفزاز أي فريق، والتواصل يتم مع كل الوزراء حالياً، وفي حال حصل اللقاء سيكون للتشاور في خارطة طريق الجلسات المقبلة حين يستدعي الأمر، والتخفيف من الاحتقان، وعدم السماح بالتذرع بعدم التشاور قبل الجلسات، مع الاحتفاظ بحقه في دعوة مجلس الوزراء عندما يكون هناك بعض الأمور الملحة التي تحددها حاجات الناس.
وفيما أشار مصدر نيابي في تكتل “لبنان القوي” الى أن “الموقف من انعقاد الحكومة مبدئي، وبالتالي، ليس رهناً بالتطورات التي ستحصل، وفي حال تم التشاور مع الوزراء، وكان موقفهم جامعاً على المشاركة في الجلسة التي قد تنعقد، يكون موقفنا ايجابياً”، أكد أحد المتابعين أن زيارة ميقاتي الى بكركي بمثابة توجيه رسالة الى الزائرين عون وباسيل بأن زيارتهما لم تغير في استراتيجية الدولة، وسير الأمور.
والرئيس ميقاتي حين يتحدث من الصرح البطريركي عن وجوب عقد لقاء تشاوري مع الوزراء قبل انعقاد الجلسة، وكأنه يقول ان البطريرك يوافق على وجهة نظره في انعقاد مجلس الوزراء متى دعت الحاجة حتى أن عظته يوم الأحد حين ناشد “الحكومة التأني في استعمال الصلاحيات حرصاً على الوحدة الوطنية ومنعاً لاستغلال البعض مثل هذه الاجتماعات لأغراض سياسية وطائفية”، تؤكد أنه لم يقتنع بكلام عون وصهره، ولم يستخدم توجههما الصدامي في الحديث عن حقوق المسيحيين وحماية رئاسة الجمهورية، ما يعني أن هدف اللقاءين العونيين لم يحصل على النتيجة المرجوة، وجاءت سلتهما فارغة، لكن في الوقت نفسه وكأن البطريرك يطلب من ميقاتي عدم الوقوع في تكرار التجربة السابقة أي جدول أعمال طويل يتضمن في أكثر بنوده أمورا غير ملحة انما الاكتفاء ببنود ضرورية للناس أي مراعاة وضعية الحكومة المستقيلة. ولو كان برنامج الجلسة الأخيرة مقتضباً لما كان أحد تجرأ على الاعتراض. وهكذا، يكون الراعي منح الغطاء الدستوري للجلسات الوزارية.
ويمكن التأكيد أن عظة الأحد لم تأت لمصلحة الزائرين العونيين اللذين أرادا شد العصب واظهار التعدي على الصلاحيات الرئاسية. هذا الأمر لم يمر على البطريرك الذي جاءت عظته كالعادة مجردة وهادئة ومواقفه وطنية.
وهنا لا بد من الاشارة الى أن “التيار الوطني الحر” الذي يتحدث عن مخارج أخرى لتسيير أمور الناس بدل اجتماع مجلس الوزراء غير منطقي وغير دستوري بحيث أن المراسيم الجوالة التي تقتضي توقيع كل الوزراء، فاشلة لأن كل وزير يمكنه أن يشل أعمال مجلس الوزراء كاملاً، وهنا يكون المزيد والمزيد من التعطيل. من ناحية أخرى، في ظل الحكومة المستقيلة، لا وجود للجان الوزارية.
الأمور أخذت منحى الاصطفاف الطائفي بذريعة صلاحيات رئيس الجمهورية.
المشكلة هنا ليست عند الرئيس ميقاتي لأنه ليس هو من تسبب بالشغور، وكل من يتحدث عن التعدي على صلاحيات الرئيس، فليتفضل ويسهل انتخاب رئيس الجمهورية، وننتهي جميعاً من هذه المماحكة التي لا تجلب سوى الارباك والاحتقان والأزمات.
ميقاتي تربطه علاقة جيدة جداً بالبطريرك، وهو حريص على أن يكون على بيّنة من الظروف التي استدعت انعقاد الجلسة، وشرح مجرياتها، ومن المؤكد أنه يستمع الى تمني البطريرك لناحية التشاور مع الوزراء قبل الجلسة، لكن في الوقت نفسه، فإن التواصل مع الوزراء يأتي ضمن مسؤولياته كما تقع على الوزراء مسؤوليات تسيير شؤون الناس.
والخلاصة اليوم أن التصعيد ليس من مصلحة أحد في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة، ونأمل تغليب لغة العقل والمنطق على لغة الغرائز وشد العصب الطائفي.
“الكابيتال كونترول”
على صعيد آخر، وبينما سعر صرف الدولار على ارتفاعه، اجتمعت اللجان النيابية المشتركة في جلسة هي العاشرة لمتابعة درس مواد قانون “الكابيتال كونترول” في مجلس النواب.
وأشار نائب رئيس مجلس الوزراء الياس بو صعب، بعد الجلسة التي رأسها الى “أننا أقرينا المادة الرابعة من قانون الكابيتال كونترول، والنقاش أصبح محصوراً بالاستثناءات. هذا القانون لا يناقش شطب الودائع بل يهدف إلى إعادة الثقة بالقطاع المصرفي”.
الطاقة والمياه
وفي وقت تراجعت أسعار المحروقات أمس، التقى وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فيّاض خلال زيارته إلى فرنسا، رئيس مجلس إدارة والمدير العام لشركة TotalEnergies باتريك بويانيه الذي أكد أن الشركة باشرت بنشاطها للبدء بالاستكشاف في البلوك 9.