على الرّغم من الإشارات العديدة التي باتت تصبّ في خانته، يبقى من المُبكر حالياً الحديث عن “حسمٍ” فعليّ لمسألة ترشيح قائد الجيش العماد جوزاف عون لرئاسة الجمهوريّة.
على الصعيد الداخلي، يبرزُ المؤيدون لعون بصورة “خجولة” غير مُعلنة بـ”قلب قوي”، في حين أن مختلف الأجواء على المنحى الدولي والعربي لم تُمهّد الطريق الرئاسية باتجاه قائد الجيش. ففي أميركا وفرنسا، فإنّ الكلام ما زال عاماً بشأن الاستحقاق الرئاسي، لكن ذلك لا يعني انعدام فرص عون أو غيره. أما في قطر، وعلى الرّغم من استقبالها عون قبل أيام، إلا أنه ما من موقفٍ واضحٍ منها بشأنه، والرسائلُ عن إمكانية طرح اسمهِ كرئيس للجمهوريّة لم تتبلور حتى الآن.
في الصورة القائمة الحالية، ما يُمكن جزمُه هو أنّ المعضلة التي تعترضُ ارتفاع أسهم عون داخلياً ترتبطُ بعدم وجود أي بوادر فعلية لــ”تقريش” اسمه جدياً داخل مجلس النواب أو حتى في الحوار بين الأفرقاء السياسيين. فيوم الخميس المُقبل، قد تكون جلسة الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري خطوة أولى باتجاه إرساء التسوية التوافقية المُرتقبة، ولكن، هل سيكون اسمُ عون على طاولة البحث الجدّي بين مختلف الكُتل النيابية؟
السؤال هذا تطرحُه مصادر سياسية مُتقاطعة ويتعزّز أكثر وسط “الفيتو” الذي وضعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل قبل يومين على اسم عون. فباسيل كان أكثر تشدداً من غيره إزاء قائد الجيش حينما أعرب عن رفضِه “المبدئي” لطرح اسم الأخير للرئاسة، مُعللاً ذلك بسببين: الأوّل وهو أنه لا يجبُ تكريس عُرفٍ يقضي بجعل كلّ قائد للجيش مرشحاً لرئاسة للجمهورية، في حين أنّ السبب الثاني يشير إلى عدم وضوحِ برنامج عون السياسي والاقتصادي للمرحلة المقبلة، وذلك في حال دخوله معترك الرئاسة.في كل الأحوال، ما يمكن جزمُه هو أنه رغم بروز اسم عون، إلا أنّ موعد بروزِه فعلياً على المنحى الداخليّ لن يتحقق إلّا بعد مسارٍ واحدٍ يرتبطُ بأكثر من طرف.. فمتى سيحصل ذلك؟ ومتى سيُعلن فعلياً عن تبني عون للرئاسة؟ما يجب الإلتفاتُ إليه هو أن خلاف باسيل مع “حزب الله” حالياً قد يكون العقبة الأساسية على طريق عون. وفي حال جرى تبديد الخلاف، وهو الأمر الذي سعى باسيل إليه مؤخراً في آخر إطلالة تلفزيونية له، عندها ستسلكُ الأمور طريقها أكثر نحو الحل، وهنا تكمنُ نقطة التحوّل. ففي كلامه الأخير، كشف باسيل أن “حزب الله” أبلغه عدم التزامه مع أي أحدٍ لرئاسة الجمهورية، وبالتالي قد تكون هذه النقطة أساسية للوقوف عندها مُجدداً وسط بروز اسم عون بشكل أكبر، وتستدعي طرح التساؤل الأكبر: بما أنه لم يرضَ بفرنجية.. فهل سيرضى باسيل مع “حزب الله” الذي بدأ بالتفكير جدياً بعون، وبالتالي القبولُ به رئيساً مع الضمانات التي يطلبها؟
لتحقق هذا الأمر، وهو ليس بمستبعد، فإنه من المتوقع أن يجري استئناف جلسات حوارٍ جديدة بين “حزب الله” وباسيل على نحو مُتصاعد، وترجّح أوساطٌ مقربة من “حزب الله” أن يلتقي الأخير الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في وقتٍ قريب ريثما تتبلور المُعطيات المرتبطة بالحوار، وقد يكون ذلك بعد مرحلة الأعياد. وبحسب معلومات “لبنان24″، فإنّ باسيل لا ينفي رغبته بلقاء نصرالله مُجدداً وقد يطلب موعداً في أي وقت لتذليل كل العقبات أمام التفاهم بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، وأيضاً لمناقشة مجمل الخيارات المطروحة من بينها ترشيح فرنجية وعون، والتركيز قد يكونُ على الأخير في حال تعاظمت الإشارات الدولية والإقليمية باتجاهه.وعملياً، فإنه في حال حصول كل ذلك، فإنّ اسم عون سيبرزُ بقوة وسيكون التداول به أسهل على جبهة “حزب الله” وتحديداً إن تمت استمالة باسيل الرافض لفرنجيّة. وفي حال نجحت دعوة “حزب الله” إلى الحوار، وبحالِ أزيلت العقبات من أمام عون، عندها سيجري طرح اسم الأخير على طاولة النقاش، وسيكون الحزبُ أول المبادرين للموافقة، في حال ارتضى باسيل هذا الأمر على الضّفة المسيحية. وأمام كل ذلك، فإنّ “حزب الله” سـ”يُمسك خاطراً” لباسيل، والورقة الرابحة للأخير داخلياً قد تكون القبول بعون رئيساً، بينما الضمانات التي سيجنيها ستكون من “حزب الله” وليس من عون نفسه.وإلى جانب كل ذلك، فإنّ التسهيل الذي سيؤدي باسم عون إلى الرئاسة قد يدفع بالأفرقاء الآخرين للبحث في الإطار نفسه، لكن هذا الأمر يحتاجُ إلى كلامٍ دولي أكثر وضوحاً وإلى رسائل عربية أكثر حسماً.في الوقت الحالي، فإن ما يتبين هو أن القوى الأخرى المواجهة لقوى “محور الممانعة” لم تتجرّأ على الإتجاه نحو عون لأسباب عديدة أولها هو عدم حصول أي تسوية واضحة، وثانياً عدم وجود شجاعة لدى الأطراف الأخرى لطرح هذا الاسم علناً من دون مواربة. وفي حال تبددت هذه العقبات، عندها سيتم الإعلان عن المرشح الأقرب للرئاسة، وسيكون عون الأكثر بروزاً.