شراء وقت.. هل يفسد موقف القوات من الحوار الودّ مع الحلفاء؟!

14 ديسمبر 2022


مجدّدًا، “طارت” مبادرة الحوار التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه بري، لعلّها تضع حدًا لجلسات الانتخاب “المسرحيّة”، أو جلسات “طقّ الحنك” كما وصفها أحد النواب المعارضين، مستندًا إلى “توصيف الناس” وفق ما قال، فإذا بها تصطدم مرّة أخرى بـ”تحفّظات” الثنائي المسيحي، “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” التي ذهبت في رفضها لحدّ اعتبار استبدال الانتخاب بحوار “سابقة دستورية خطيرة”، وفق ما جاء في بيانها.

 
لكن موقف “القوات” الذي استند إليه بري لإلغاء الدعوة للحوار، باعتبار أنّ الحوار على أهميته المطلقة، يفقد قيمته إذا ما عُقِد بغياب الكتلتين المسيحيتين الأكبر، أي تكتلي “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية”، لم يجد مثيلاً له لدى الكثير من حلفاء “القوات”، فحزب “الكتائب” مثلاً كان قد رحّب “مبدئيًا” بالدعوة للحوار، ومثله فعله العديد من النواب المستقلّين، الذين لم يتردّدوا في التأكيد على ضرورة الحوار بحثًا عن توافق يُحدِث خرقًا في المشهد.
 
أما “الحزب التقدمي الاشتراكي” فلا شكّ في وقوفه “الثابت” إلى جانب رئيس مجلس النواب في كلّ مبادراته، الحوارية منها وغير الحواريّة، وهو موقف أعاد النائب وائل أبو فاعور التعبير عنه في الساعات الأخيرة، ما يدفع إلى التساؤل عمّا إذا كانت “القوات” بموقفها الرافض للحوار، قد أضافت نقطة “خلافية” جديدة مع الحلفاء قبل الخصوم؟ وهل يسري بالفعل هنا المبدأ القائل بأن “الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية”؟!
 
رواية “القوات” الكاملة
 
بمعزل عن مواقف الحلفاء المرحّبة “مبدئيًا” بالحوار، والتي تتفهّمها باعتبار أنّ مشهدية جلسات الانتخاب الرئاسية لا ترضي أحدًا بطبيعة الحال، وقد أضحت “مسرحية مستهلكة ومملّة”، إلا أنّ “القوات” تصرّ على أنّ موقفها هو “السليم”، باعتبار أنّ من يجب أن يُلام هو “المعطّل الحقيقي” لانتخاب رئيس الجمهورية، لا من يرفض “الانجرار” إلى حوار لا تتوافر مقوّماته الحقيقية، ولا هدف فعليًا له سوى “شراء الوقت”، مهما حسنت النوايا.
 
ويقول المؤيدون لوجهة نظر “القوات” إنّ البيان الذي أصدرته الدائرة الإعلامية في “القوات” كان واضحًا، فالمشكلة ليست مع الحوار كمبدأ، ولكن مع “النوايا المبيتة” خلفه في هذا التوقيت، فالحوار كان يجب أن يحصل قبل بدء المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس لا بعد انقضائها، والحوار لا يمكن أن يكون بديلاً عن جلسات الانتخاب التي ينبغي على العكس من ذلك، أن تتحوّل إلى مفتوحة، والأهمّ من كلّ ذلك، أنه يفترض أن يكون “بلا قيد أو شرط”.
 
وهنا، يطرح المحسوبون على “القوات” الكثير من التحفّظات على حوار يستبقه من يوهمون الرأي العام بانفتاحهم عليه بـ”جملة من الشروط”، كما فعل “حزب الله” مثلاً الذي حدّد مجموعة “معايير” ينبغي أن تتوافر في الرئيس العتيد، تجعله “رئيسًا ممانعًا بامتياز”، ويشدّدون على أنّ الحوار “على هامش الجلسات” الذي اقترحته “القوات” يبقى “الفكرة الأمثَل”، خصوصًا إذا ما “ضمن” وقف مسرحيّة “تطيير النصاب” الاستعراضية وغير المجدية.
 
“اختلاف” بين الحلفاء
 
رغم أنّ حلفاء “القوات” المفترضين، ممّن يشاركونها بالحدّ الأدنى “خيار” التصويت للنائب ميشال معوض بوصفه “مرشح المعارضة”، يتّفقون معها على أنّ المعضلة الأساس تبقى في إصرار فريق “حزب الله” على تطيير النصاب، معطوفًا على تمسّكه بخيار الورقة البيضاء حتى الآن، إلا أنّهم يعتبرون أنّ “تطيير الحوار” قد يرقى لمستوى “تطيير النصاب” من حيث الانطباع السلبيّ الذي يتركه على الرأي العام، وعلى أبواب فترة الأعياد.
 
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ الحوار في الشكل، بمعزل عن مدى قدرته على “صناعة التوافق” في المدى المنظور، كان من شأنه أن يوجّه رسالة “حسن نيّة” للجمهور، فضلاً عن دوره في نقله “التجاذبات” إلى قلب المؤسسات، من أجل نقاش “صريح” في كلّ الهواجس والتحفظات، ولعلّ إيجابيّته الأكبر تكمن في أنه كان قادرًا، ولو لمرّة، على “حجب” مهزلة جلسات مجلس النواب، التي بات الكثير من الناس يفضّلون عدم حصولها، على “الضحك على ذقونهم”.
 
وإذا كان ثمّة قناعة لدى كثيرين أنّ في صفوف حلفاء “القوات” المؤيّدين للحوار، من يجاهر في استعداده للالتحاق بأيّ “تسوية” متى حصدت توافق “الحدّ الأدنى” المطلوب، فإنّ العارفين يرجّحون أنّ مثل هذا “الانقلاب” مؤجَّل، وبالتالي فإنّ الاختلاف في الرأي بين الحلفاء “لن يفسد للودّ قضية”، لتصبّ أصواتهم جميعًا مرّة أخرى لصالح المرشح ميشال معوض في جلسة الخميس، التي ستكون “نسخة مكرّرة”، بلا تشويق ولا من يحزنون.
 
هكذا، ستكون جلسة الخميس الانتخابية الأخيرة لهذا العام، “بدلاً” عن حوار “ضائع” قد تختلف الأهداف المنشودة من خلفه بين من يريده ربما “شراء للوقت” بانتظار وصول “كلمة السرّ” الرئاسية، ومن يرى فيه “تبييضًا للوجه” قد يخفّف من “سواد” جلسات لا تفضي سوى لفضح “عجز” النواب وقلّة حيلتهم، قبل أن يذهب هؤلاء لتمضية “إجازة الأعياد” بلا اكتراث لواجب دستوريّ لا يبدون “مستعجلين” عليه، ولا “مكترثين” بتبعاته الثقيلة!