إذا كان التاريخ يجمع “القوّات اللبنانيّة” و”الكتائب”، فإنّ مجلس النواب فرّقهما ولا يزال في الإستحقاقات الدستوريّة، وقد بدأ هذا الأمر يتجلّى منذ العام 2016، حين دخل سمير جعجع في تسويّة رئاسيّة مع “التيّار الوطنيّ الحرّ”، وقد سبقها في وقتها التوقيع على إتّفاق “معراب” الشهير، وسط معارضة واضحة من نواب الصيفي الذين تمايزوا ولم يُؤيّدوا التوافق المسيحيّ آنذاك.
وبعد الطلاق بين “القوّات” و”الكتائب” والإلتقاء الوحيد بينهما في دائرة واحدة في انتخابات العامّ 2018، ورغم أنّ الشارع جمعهما في “ثورة 17 تشرين”، ونزل أنصارهما مع “المجتمع المدنيّ” ورفعا المطالب السياسيّة والمعيشيّة عينها، عاد الفراق بينهما ولم يخوضا معاً الإنتخابات الأخيرة، لا بل وصل الأمر بـ”القوّات” إلى ترشّيح إحدى الشخصيّات بوجه النائب نديم الجميّل في الأشرفيّة. ومع عودة التنسيق بينهما في مجلس النواب الحاليّ، فإنّهما يسعيان لتوحيد صفوف “المعارضة” بهدف إنتخاب رئيسٍ “سياديٍّ” يضع حدّاً لممارسات “حزب الله” السياسيّة وغير السياسيّة.
ويقول مراقبون إنّ الخلاف الأوّل الذي سُجّل بين معراب والصيفي في المجلس النيابيّ الجديد، تمثّل بعدم الإلتقاء في تسميّة رئيس حكومة في الإستشارات الملّزمة، وثانيّاً في إنتخابات اللجان النيابيّة حيث استطاع نواب “الجمهوريّة القويّة” المحافظة على رئاسة لجنة الإدارة والعدل، فيما “الكتائب” خسرت رئاسة لجنة “التكنولوجيا” التي كانت من حصّتها في المجلس السابق. ويُضيف المراقبون أنّ “القوّات” لا تزال قريبة من بقيّة الأفرقاء، وقادرة على المحافظة على حصصها النيابيّة، خلافاً لـ”الكتائب” التي هي أقرب إلى نواب “الثورة” وترفض منطق المحاصصة والتسويّات.
وصحيحٌ أنّ نواب “الكتائب” و”القوّات” رشّحوا ولا يزالون رئيس “حركة الإستقلال” النائب ميشال معوّض، ويبذلان الجهود لتوحيد “المعارضة” للتصويت له، إلّا أنّ موضوع النصاب شكّل مفاجأة في علاقتهما، فالصيفي تسعى لتثبيت وجهة نظرها من أنّ نصاب الدورة الثانيّة هو 65 نائباً، بينما النائب جورج عدوان أيّد طرح رئيس مجلس النواب نبيّه برّي من أنّ كلّ الدورات نصابها الثلثين، ما رأى فيه مراقبون أنّ “القوّات” تُحاول التقارب من “حركة أمل”.
ويُضيف المراقبون أنّه بسبب تصريح عدوان، أصبحت الأكثريّة في مجلس النواب مع نصاب الثلثين، الأمر الذي يُعيق إنتخاب معوّض بأكثريّة الـ65، علماً أنّ جعجع قال في مناسبات عديدة إنّ لدى “المعارضة” 67 نائباً، وهي تُشكّل الأكثريّة النيابيّة. ويعتبر المراقبون أنّ معراب أسقطت وصول معوّض بأصوات “المعارضة”، فمن شأنّ نصاب الـ86 أنّ يُحتّم التوافق عليه، وهو مستبعدٌ كثيراً، فموقف “الثنائيّ الشيعيّ” و”التيّار الوطنيّ الحرّ” وحلفائهما معروف تجاه معوّض أو أيّ مرشّح قد تنفرد قوى “المعارضة” في طرحه.
ومع توجّه النواب في الجلسة العاشرة يوم غدّ إلى التصويت بالأوراق عينها، من المتوقّع أنّ يطول الفراغ الرئاسيّ، وخصوصاً وأنّ برّي حدّد جلسة عاديّة للانتخاب مع إعلان “القوّات” رفضها المشاركة في الحوار، وتشديدها على إجراء دورات إنتخابيّة متتاليّة ونقاشات نيابيّة. وقد أدركت “الكتائب” صعوبة قدرة “المعارضة” على انتخاب معوّض أو أيّ مرشّح آخر من دون الفريق الآخر، فأيّدت أخيراً دعوة برّي للحوار للخروج من الفراغ القاتل، والتوصّل سريعاً لانتخاب رئيسٍ جديدٍ وتشكيل حكومة لمعالجة الأوضاع المعيشيّة والإقتصاديّة.
في المقابل، سجّلت “القوّات” مفارقة جديدة مع “الكتائب” وحتّى مع الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” عبر رفضها الحوار إنّ بدعوة برّي، وإنّ بدعوة البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، بحجّة أنّها لا تُريد الدخول في تسويّة مع فريق الثامن من آذار، إضافة إلى عدم رغبتها في محاورة باسيل في لقاء مسيحيٍّ ترعاه بكركي. ويلفت مراقبون إلى أنّ تمسّك معراب بهذه الأفكار يُساهم في إبقاء البلاد في دوامة الفراغ الرئاسيّ، أمّا “الثنائيّ الشيعيّ” ورغم وقوفه خلف رئيس تيّار “المردّة” سليمان فرنجيّة، فإنّه يمدّ يدّه للتوافق وحتّى لو كان على حساب مرشّحه الأساسيّ.
ويُضيف المراقبون أنّ كرّة التعطيل أصبحت في ملعب “القوّات” و”الوطنيّ الحرّ” لرفضهما الحوار الوطنيّ. لكّن، يقول المراقبون إنّ معراب من حقّها المطالبة دستوريّاً بإجراء الإنتخابات في عدّة دورات لانتخاب الرئيس، وهو ما تدعمه “الكتائب” ونواب “17 تشرين”، إلّا أنّ منطق “الديمقراطيّة التوافقيّة” الذي فرضه “حزب الله” و”حركة أمل” و”التيّار” منذ العام 2014، غيّر المعادلة البرلمانيّة من ديمقراطيّة إلى توافقيّة، ونصاب الثلثين الذي أقرّت به “القوّات” يدعم تأمين الإجماع والتوافق على حساب الإنتخاب على أساس الأكثريّة النيابيّة.