بكل فخر انا مساعد منزلي

17 ديسمبر 2022
بكل فخر انا مساعد منزلي


أمام اكثر من مشهدية يبدو المجتمع اللبناني غريباً وغير منطقيّ، فتراه يصدر الأحكام من دون رحمة او مرعاة لظروف معينة  واوضاع محددة.وفي مشهديات أخرى وبعد مرور الوقت على احكامه المبرمة التي يتم وضعها في خانة الظلم وعدم التفهم، تتأكد ان المجتمع واحكامه غربالاً يؤدي في نهاية المطاف الى التخلّص من الشوائب وكل اتباعها.

ومن ضمن المشهديات التي فرضتها الأزمة اللبنانية المستمرة دون رحمة او شفقة، تظهر الى العلن قصة الرجل الطرابلسيّ الذي تسلّح بـ”المكنسة” و”الممسحة”  وتحوّل الى “مساعدٍ منزليّ”، محاولاً تخطي جنون الدولار وصعوبة المعيشة في طرابلس ولبنان.
 
حملت “السطل” و”الممسحة” وقررت ان أواجه”ليس عندي ما اخجل به فأنا اكسب رزقي ورزق أولادي وامي وأبي من عرق جبيني”، بهذه الكلمات يبدأ خضر أحمد (30 سنة) حديثه مع “لبنان 24″.ويضيف ” انا ابن محافظة عكار لكنني عشت معظم ايامي في مدينة طرابلس، متزوج ولي ولدان.أعيش مع اهلي وأسندهم في الحياة، كما أسند زوجتي التي تعاني من بعض الأمراض.لم احظ بفرصة استكمال دروسي، استطعت الوصول الى مرحلة (التاسع أساسي)، ومن بعدها دخلت الى مدرسة الحياة، فعملت برفقة المسنين لسنوات طويلة، اهتم بصحتهم بنظافتهم وببيوتهم.وفي العام 2019 ومع انتشار وباء (كورونا)، غادر الحياة آخر مسنٍ كنت قد اهتممت به، فتحوّلت الى عاطل عن العمل، وفي تلك المرحلة اندلعت (ثورة 17 تشرين) وبدأ الدولار بالارتفاع، ما وضعني امام حالة مادية حرجة جداً.
أمام هذا الواقع وأمام مسؤولياتي العائلية ، توجهت مباشرة الى الاعمال المنزلية، فحملت (السطل) و(الممسحة) ولجأت الى الاعلانات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانطلق مشواري مع تنظيف المنازل والاهتمام بمختلف جوانبها”.
 
أعمل حتى اتمكن من لعب دوري كأب وابن في الوقت نفسهيقول أحمد ” عائلتي،  وهَم البحث عما يكفيها، هما  السبب الرئيسي لاختياري التوجه الى هذه المهنة بالتحديد.فأهلي يعانون من اكثر من مرض وكذلك زوجتي، اما أولادي فهم بحاجة للكثير من الاعتناء والتضحية حتى يكبروا ويتمكنوا من مواجهة الحياة بمختلف صعابها وتحدياتها.وهنا لا بد من الاشارة الى ان عائلتي بمختلف افرادها، كانت ولا زالت الداعم الأول لتوجهي، فالجميع يقدّر تعبي ويعلم انني أعمل حتى اتمكن من لعب دوري كأب وابن في الوقت نفسه.وفي ما يتعلق بأولادي، انا لن اخجل يوما امامهم انني امتهنت تنظيف البيوت والمنازل، لا بل صارحتهم في هذا الموضوع وكنت شفافا معهم، وهم والحمدالله يعبرون عن محبتهم وتقديرهم لي، وفي كل صباح يرددون ( الله يحميك ويرزقك يا بابا)”.
 
مليون ليرة لكل يوم عملويؤكد خضر لـ”لبنان 24″ انه اختار ان يطلق على عمله تسمية “مساعد منزلي”، فعبر هذه المهنة يقدم اكثر من خدمة لمختلف المنازل والعائلات في كل المناطق اللبنانية.ويشير الى ان “كل عائلة ترى انها بحاجة لمن ينظف منزلها او من يقدم لها الخدمة خلال العزائم، يمكنها ان تتواصل معي دون تردد، فأنا اتقن عملي واقدمه بمحبة وبطيب خاطر، وكل من ساعدتهم أبدوا ارتياحهم ورضاهم عن عملي.وبالنسبة للمبلغ الماديّ الذي اتقضاه، فهو مليون ليرة لبنانية مقابل يوم عمل كامل اي من التاسعة صباحا حتى الخامسة بعد الظهر، بالاضافة الى تكاليف النقل والمواصلات التي يتحملها الزبون.وفي هذا الاطار، يرى البعض ان تسعيرة المليون ليرة مرتفعة، لكن عند مقارنتها مع الغلاء المعيشي الحاصل ومع البدل المادي مقابل الساعة الذي تتقاضاه العاملة الأجنبية، نجد ان التسعيرة منطقية جداً”.
 
تعرضت للضرب”في بداية مشواري مع هذه المهنة، تعرضت للضرب من قبل مجهولين في طرابلس، وانا اعلم جيدا ان ضربي اتى نتيجه اعتقاد البعض انني من خلال عملي اشوه صورة مدينتي ومجتمعي”.بهذه الكلمات أراد ان يصف خضر الطريقة التي يتعاطى بها جزء من المجتمع اللبناني معه، لكنه في الوقت نفسه يقول ” لا يمكن تعميم اسلوب تعاطي الناس معي ومع مهنتي، فالبعض متقبل والبعض الآخر يرفض على الرغم من انني لا أقوم سوى بالعمل للحصول على ما يكفيني ويكفي عائلتي.وفي هذا المجال تعرضت لكم هائل من انواع التنمّر اكان في حياتي اليومية او عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكنني مصر على الاستمرار لأن خضوعي لأي تنمرّ سيؤدي الى دخول عائلتي في مرحلة من الجوع والعوز”.ويضيف ” صحيح انني اتعرض للتنمّر ، لكنني أصادف ايضا من يحترمني ويقدرني ويحاول مساعدتي، فعلى سبيل المثال هناك من قدم لي ولعائلتي دعوة مجانية لتناول طعام الغذاء في احد المطاعم مؤخراً”.ويختم خضر حديثه مؤكدا ان كل ما يتمناه هو ان يستمر في تأمين متطلبات عائلته وأولاده الذين تمكن من ادخالهم الى مدرسة خاصة بفضل ما يكسبه من مهنته الحالية. ويقول ” لا أبحث عن صدقة أو مساعدة ولن أرضى بوظيفة لا تؤمن  العيش الكريم لي ولعائلتي، لذلك سأبقى مساعدا منزليا الى اجد فرصة جديدة تساعدني على الصمود  وتأمين مستلزمات اولادي وزوجتي وأبي وامي”.