كتب فادي عيد في”الديار”: تبدي مرجعية نيابية سابقة، إعتقاداً راسخاً لديها ولدى عدة قيادات سياسية وحزبية، بأن المقاربة المعتمدة للإستحقاق الرئاسي، تحتاج لعملية مراجعة سياسية وطائفية قبل أن تكون نيابية، ذلك أن هذه القيادات، وبمعزلٍ عن انتمائها السياسي، تعتبر أن انتخاب رئيسٍ للجمهورية ترشّحه أو تؤيّده جهة معيّنة وتعترض عليه جهة أخرى، يخفي في طياته مؤامرة على الفريق المعارض والعكس صحيح، قد بات اعتقاداً طواه الزمن، ولا يؤدي سوى إلى تكريس معادلة الإستقطاب الطائفي والسياسي في آن، من دون أن تكون شخصية الرئيس وبرامجه ومواقفه في كل المجالات، أو بكلمة واحدة المواصفات الرئاسية، هي المعيار لانتخاب أي شخصية لموقع رئاسة الجمهورية.
وانطلاقاً من هذه المقاربة، تكشف المرجعية عن احتمالين واضحين أمام الأطراف كافةً:
– الأول: إنتخاب الرئيس وفق القواعد الدستورية وفتح الباب أمام المنافسة الديموقراطية.
– الثاني: ترك الأمور تتدهور باتجاه سيناريوهات غير واضحة ومعظمها مشبوه، حتى تأتي بعدها التسوية مهما كانت أثمانها مرتفعة.
كذلك، فإن هذه المقاربة ، وكما تكشف المرجعية عينها، تستلزم إستعادة جملة أحداثٍ مفصلية إلى الواجهة وقراءتها من زاوية تحديد تداعياتها، وذلك في حال تمّ الإنزلاق إليها مرةً جديدة اليوم، وبالتالي التخلّي عن سياسة الإنكار التي تتحكّم حتى الساعة بمواقف هذه القيادات الفاعلة على الساحة الداخلية، وتنعكس سلباً على تصرفاتهم في المنعطفات الخطرة، والتي تشبه إلى حدٍ بعيد ما يواجهه لبنان في هذه المرحلة. وبرأي المرجعية التي واكبت أكثر من عهدٍ رئاسي، فإن الأزمة الرئاسية الحالية، تتجاوز مسألة الشغور الرئاسي والإنقسام السياسي «التقليدي» بين فريقين أساسيين في المجلس النيابي، إلى تهديدٍ لهذه الساحة ولاستقرارها بالفوضى في عدة مجالات، وليس فقط لجهة الشغور في الموقع الأول في الدولة.
ومن هنا، فإن سلسلة الحوادث الأخيرة التي حصلت في الشارع في الأسابيع الماضية، تشكّل مثالاً على هذه الفوضى، بحسب المرجعية النيابية السابقة، والتي لا تُنكر أن المرجعيات الروحية، كما القيادات الأمنية، قد سبق وأن حذرت من هذه النتائج التي قد تترتّب عن مواصلة الإنحدار إلى المزيد من عدم الإستقرار، تزامناً مع حملات الشحن الطائفي أحياناً، علماً أن الشارع قد بات يعيش على صفيحٍ ساخن نتيجة تحليق سعر صرف الدولار، والذي وصل إلى مستويات قياسية في الأيام القليلة الماضية.
ومن هنا، فإن التحذيرات المتتالية من فوضى آتية إلى الساحة الداخلية، لا تنطلق من فراغ، تقول المرجعية عينها، لأنه قد سبق وأن عرفت هذه الساحة «أهوال» فوضى أمنية مدمّرة، وبالتالي، لن يكون من السهل تفاديها في حال بقي الإنسداد السياسي في الإستحقاق الرئاسي، وتحوّلت الخلافات الحكومية إلى أزمة بين الطوائف حول الصلاحيات الرئاسية، كما تصاعدت وتيرة الأزمة المعيشية، كون هذه العوامل قد تشكّل مصدراً لتهديد الإستقرار الأمني.
ومن ضمن هذا السياق، تعتبر المرجعية نفسها، أن انتخابات رئاسة الجمهورية قد تكون الفرصة الأخيرة لإنتاج حلٍ مستدام لعدة أزمات تواجهها الساحة الداخلية، كما من شأنها أن تؤسّس لفكفكة العقد التي تمنع الحلول الإقتصادية، بعدما اختبر الجميع الخيارات التي قد تصبح أمراً واقعاً في حال بقي الوضع على ما هو عليه اليوم.