جنون الدولار يتصدّر من جديد.. من يوقف القفزة المرعبة؟!

21 ديسمبر 2022
جنون الدولار يتصدّر من جديد.. من يوقف القفزة المرعبة؟!
حسين خليفة

فيما دخل السياسيون قبل المواطنين “إجازة الأعياد”، التي لا تبدو مستحَقّة لمعظمهم بعد أشهر من التقاعس والتقصير، ترجم بـ”التهائهم” بالصراعات الجانبيّة والهامشيّة، في ظلّ التقاعس الذي يكاد يرقى لمستوى “التواطؤ”، عن إنجاز الاستحقاقات الأهمّ، من خلال انتخاب رئيس للجمهورية، عاد “جنون الدولار” ليطغى على كلّ ما عداه في الساعات الماضية، مع تسجيل سعر الصرف مستويات قياسية في السوق الموازية.

فقد توّج دولار السوق الموازية “قفزته المرعبة”، إن جاز التعبير، التي بدأها قبل أيام، ليسجّل على أبواب الأعياد “ذروة” غير مسبوقة مثّلها رقم 45 ألف ليرة للدولار الواحد، وذلك للمرّة الأولى في تاريخ لبنان، مفجّرًا مخاوف اللبنانيين من انعكاسات ذلك، ولا سيما أنّ أيّ ارتفاع لسعر الصرف يؤدي تلقائيًا إلى ارتفاع في الأسعار، وسط غلاء “فاحش” كان من شأنه، قبل الأرقام القياسية، حرمان الكثير من العائلات، من تمضية الأعياد كما يحلو لها.

وفي وقت لا تزال أسباب هذا الارتفاع “الجنوني” في هذا التوقيت بالتحديد غير واضحة ولا مفهومة، وإن يعزوها البعض إلى عمليات “تهريب” تنشط بقوة، ويردّها البعض الآخر إلى “طمع وجشع” شريحة باتت تتحكّم بسعر الصرف، وتصنَّف في سياق “الغرف السوداء”، أو ربما “المافيات”، يبقى السؤال الأكبر: إلى أين يمكن أن يذهب الدولار في قفزته “الجنونية” هذه؟ وهل من يوقفها، ولو عبر “تعميم ما” كما جرى في مرّات سابقة؟سيناريو “مرعب”بالنسبة إلى كثيرين، فإنّ سيناريو الارتفاع “الجنوني” للدولار، ولو أضحى دوريًا، أصبح “مرعبًا” بكلّ ما للكلمة من معنى، خصوصًا بعدما فقدت العملة طيلة الأشهر الماضية أكثر من 95 في المئة من قيمتها، حتى بات ثمانية من كل عشرة مواطنين تحت خط الفقر، وفق تقديرات الأمم المتحدة، ما يعني أن أيّ ارتفاع إضافي بالشكل الذي يحصل اليوم، قد يؤدي إلى “كارثة مضاعفة” على صعيد القدرة الشرائية للمواطنين والناس.

ولعلّ ما يبدو “مرعبًا” أكثر أنّ المواطنين باتوا قبل المسؤولين يتعاملون مع ارتفاع الدولار بـ”برودة” تبدو هي الأخرى غير مفهومة، لكنّها “تغري” المتحكّمين بسعر الصرف إلى المضيّ إلى الأمام بلا اكتراث بـ”ضحايا” موجات الجنون هذه، علمًا أنّ “النكات” التي انتشرت عبر وسائل التواصل حول هذا الموضوع بدت “مبكية” أكثر منها “مضحكة”، خصوصًا في ما يتعلق بوضع “سقف” للارتفاع، يبقى عرضة للتغيير، يتحرّك الناس بعده.

وفي سياق سيناريو “الرعب” نفسه، أثارت الانتباه كمية “الإشاعات” التي ترافقت مع الارتفاع “الجنوني” للدولار، والتي تكهّنت سلفًا بتسجيل الدولار المزيد من الأرقام القياسية، من مستوى الـ50 ألفًا الذي رجّح البعض الوصول إلى عتبته قبل رأس السنة، وصولاً إلى حاجز الـ100 ألف، في الأشهر الثلاثة المقبلة إن لم يحصل “خرق نوعي” على المستوى السياسية، وهو ما ينبئ، إن حصل، بـ”زلزال” على المستوى الاقتصادي عمليًا.

من يتحرّك؟!لكن ثمّة ما قد يكون “مرعبًا” أكثر من كلّ ما سبق، من الوقائع التي توثّق ارتفاع الدولار، إلى الإشاعات التي تنطوي على المبالغات، وإن أثبتت تجربة السنوات الأربع الماضية أن “لا شيء مستحيلاً” في الواقع اللبناني، ويتمثّل في المقاربة “غير المسؤولة” للكثير من القوى السياسية، التي لم تجد في “جنون” الدولار ما “يردعها” عن مواصلة “حملتها” ضد “احتمال” اجتماع الحكومة، وكأنّ “منع” هذا الاجتماع “يحلّ” أزمات البلاد المتفاقمة.

هكذا، تواصل الهجوم “بالمباشر” على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال الساعات الماضية، على خلفية تصريحاته عن نيّته دعوة الحكومة إلى الاجتماع “عند الضرورة والحاجة”، رغم أنّه قال إنّه لا شيء طارئًا في الوقت الحاضر يستدعي ذلك، حتى إنّ من “انتبه” لقفزة الدولار “المرعبة” اختار أن يوظّفها لمآربه الخاصة، فهاجم رئيس الحكومة أيضًا بسببها، على خلفية تصريحات سابقة له حول “عدم تغيير الضباط” في فترة الحرب.

لكنّ هؤلاء السياسيين لم يجدوا موجبًا لأيّ “هدنة” من أجل حلّ أزمة الدولار المستجدّة، بما يسمح للبنانيين بالحدّ الأدنى “تمرير” فترة الأعياد بأقلّ الأضرار الممكنة، علمًا أنّ رهان البعض على “تعميم” يصدر عن حاكم مصرف لبنان لا يفي بالغرض، خصوصًا أن القاصي والداني يدرك أنّ هذه التعميمات، وإن نفعت في السابق، ليست أكثر من “مسكّنات”، فيما المطلوب معالجة حقيقية وجذرية للمشكلة، لا تبدو متوافرة في ظلّ نهم “تصفية الحسابات”.

فيما يرتفع الدولار أكثر وأكثر، ليسجّل مستويات غير مسبوقة، وإن بقي سقفها “متقلّبًا” بين صعود وهبوط بين الفينة والأخرى، فإنّ السياسيين الذين يحوّلون اجتماعًا وزاريًا “قصة حياة أو موت”، لا يبدو أنّهم “سيستنفرون” بالقدر نفسه من أجل وضع حدّ للقفزة “الجنونية”، بعيدًا عن متطلبات “النكد السياسي”، ليبقى المواطن مرّة أخرى، “الضحية الأكبر”، وهو الذي لم يعد يملك مقوّمات “الصمود”، بحدّها الأدنى!