بين الـ2014 والـ2022، تختلف طريقة إدارة “حزب الله” للملف الرئاسيّ، ففي حين تمسّك سابقاً بالرئيس ميشال عون وفرضه بالقوّة على خصومه الذين اقتنعوا أخيراً بانتخابه، لا يجد نفسه حاليّاً قادراً أقلّه على ترشّيح رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة، علماً أنّه يُمارس سياسة تطيير النصاب والتعطيل عينها، ولكن هذه المرّة في الدورة الثانيّة.
وترى أوساط سياسيّة أنّ ظروف “الحزب” نيابيّاً تغيّرت، فخسر الأكثريّة أوّلاً، وتقدمت القوّات اللبنانيّة” عند المسيحيين ، بالتوازي مع تراجع “التيّار الوطنيّ الحرّ” في الشارع المسيحيّ، وتعويله على حلفائه للمحافظة على عدد نواب كتلته. وأيضاً، شكّل تقلّص عدد نواب “المردة” مفاجأة، وقد انتهزها سريعاً النائب جبران باسيل للتسويق بأنّ الرئيس الجديد يجب أنّ يكون إبن بيئته المسيحيّة شعبيّاً ونيابيّاً.
وتُضيف الأوساط أنّ المجلس النيابيّ أصبح يضمّ كتلاً مختلفة عمّا كانت عليه، فكتلة “المستقبل” كانت تميل إلى التسويّات مع “الثنائيّ الشيعيّ”، وتكتّل “الإعتدال الوطنيّ” ليس مؤلفاً من نفس عدد نواب كتلة الرئيس سعد الحريري السابقة، بالإضافة إلى أنّ توجّهات النواب السنّة تتنوّع بين مؤّيدٍ لمحور “الممانعة”، وبين وسطيّ و”سياديّ” ومع “المجتمع المدنيّ”.
وفي السيّاق، يقول مراقبون إنّ التسويّات أصبحت صعبة مع شكل المجلس النيابيّ الجديد، فتقارب “القوّات” من “التيّار” وإمكانيّة عقد إتّفاق بينهما مستبعد جدّاً، فمعراب سارعت بعد “إنتفاضة 17 تشرين” بالوقوف وراء مطالب المتظاهرين، وهي لا تزال تُحمّل “حزب الله” وباسيل مسؤوليّة ما آلت إليه الأوضاع المعيشيّة والإقتصاديّة والسياسيّة في البلاد. ويُتابع المراقبون أنّ الإنقسام المسيحيّ هو الذي يقف عائقاً أمام التوافق على الرئيس المقبل، لذا، وضع “الحزب” الحوار سبيلاً للتوافق على المرشّح شرطاً لتأمين نصاب الثلثين، فأصبح بهذه الطريقة يتحكّم بمجريّات جلسة الإنتخاب، حتّى لو لم يكن لديه مرشّحه.
أمّا في موضوع عدم ترشّيحه لفرنجيّة علناً، فالظروف الداخليّة والدوليّة بحسب المراقبين ليست لصالح “حزب الله”، وهو سبق وأنّ تحدّى الداخل والخارج بميشال عون، وقد وصل به الأمر مع “التيّار الوطنيّ الحرّ” إلى الأزمة الإقتصاديّة الحاليّة، وحتّى ولو لا يتحمّلان نتيجتها وحدهما. ويُشير المراقبون إلى أنّ الإتيان بفرنجيّة أو أيّ شخصيّة أخرى من فريق الثامن من آذار، من دون توافق سيعني استمرار الازمة. ويلفت المراقبون إلى أنّ الظروف لترشّيح رئيس “المردة” لم تنضج بعد، وتحتاج الى المزيد من الاتصالات، فالنواب الذين يدعموه لا يصل عددهم إلى 65، وقد أعلن رئيس مجلس النواب نبيه برّي أنّ الرئيس يجب أنّ يحظى بأغلبيّة الأصوات كيّ يكون جامعاً، ما يعني أنّ النصف زائد واحداً لا يُحبّذه “الثنائيّ الشيعيّ”، فـ”حزب الله” لا يُريد أنّ يكون الرئيس المقبل معاديّاً لـ”حركة أمل” وحليفاً معه على “القطعة”، كما كان الحال مع الرئيس عون وفريقه السياسيّ. ويرى مراقبون أنّ على فرنجيّة المبادرة أكثر وتوسيع إتّصالاته مع الكتل النيابيّة، فالضاحيّة الجنوبيّة تنتظر تأمينه عدداً كافيّاً من النواب قبل إعلانها عن دعمه، فهي لا تُريد أنّ تفرض على النواب مرشّحها كما كان الحال في المرّة السابقة، ويبقى بالنسبة إليها أنّ يتأمّن التوافق على فرنجيّة كيّ لا تظهر أمام المسيحيين أنّها تختار الرئيس المسيحيّ عوضاً عنهما. توازيّاً، بدأ يتقدّم المرشّح الوسطيّ على الشخصيّات السياسيّة، وحظوظ فرنجيّة تتراجع مع طرح إسم قائد الجيش العماد جوزاف عون، علماً أنّه إذا سارت به “القوّات”، فإنّه يستطيع أنّ يصل إلى سدّة الرئاسة، وحتّى لو لم ينتخبه نواب “لبنان القويّ”. فيقول مراقبون إنّ التسويّة تتطلّب تأييداً أقلّه من كتلة نيابيّة مسيحيّة وازنة لانتخاب رئيس الجمهوريّة. ويختم المراقبون أنّ “حزب الله” قد يتجه مرّة جديدة للتضحيّة بفرنجيّة على حساب التوافق السياسيّ، فإمّا يُجمع النواب عليه، ويكون انتخابه محور توافق، وإمّا يتمّ إختيار مرشّحٍ آخر لا يستفزّ “المقاومة”.