لا يمكن القول عن الكلام الأول للرئيس السابق ميشال عون بعد أن ترك القصر الجمهوري مع إنتهاء ولايته، خلال ترؤسه اجتماع تكتل “لبنان القوي” في “ميرنا الشالوحي”، سوى أنه كلام غير موزون يدل على خلل ما في الشخصية الانفصامية، اذ يعلن بوضوح أن جبران باسيل وجهه الآخر، وهو كذلك منفصل عن الواقع، ينظر لكنه لا يرى، يسمع لكنه لا يصغي، يقول لكنه لا يحادث، مصاب بمتلازمة الصهر كيف ما “فتل وبرم”.
بشرنا عون بأن الوضع الاقتصادي لن يتحسن الا بعد أربع سنوات، وبالطبع شرط هذا التحسن أن يملأ جبران كرسي بعبدا لاكمال مسيرة “العهد القوي”.
وشدد عون على ما وصفه بـ “العمل على المحاسبة” علماً أن عهده وسلوك جبرانه كانا يدلان على أن المحاسبة بالنسبة اليه هي الانتقام من الأخصام السياسيين، والمراوغة في تنفيذ القوانين، والتعمية على ممارسات حزب السلاح وتغطية أفعال ميليشياته التي أوقعت البلاد والعباد في أتون جهنم، واستنساخ قضاء وفقاً لقوانين مستشاري القصر المأسور.
وأكد على محاربة الفساد من دون أن يعترف بأن تياره الميمون في رأس الفساد والسرقات، والمعروف أن من يدخل السلطة فقيراً ويغتني فجأة يكون فاسداً وهو ما ينطبق على صهره مهندس الفساد في النظام اللبناني والذي حمّل الموازنة اللبنانية خسائر بأكثر من 41 مليار دولار فقط لمشاريع وهمية في الكهرباء بعد وعود 24/24 ساعة في العام 2015 الى ساعة واحدة أو عتمة شاملة في 2022، وهذا مثال بسيط عما اقترفه الفاسد جبران عدا عن مشاريع السدود التي لم تخزن المياه وانما خزنت الأموال في خزائن باسيل والعائلة العونية والمحسوبين على الجنرال وتياره.
ماذا يمكن لنا أن نفهم من حديث عون عن ابتداع مهمة لتياره الآفل بمحاربة الفساد وكشف الفاعلين خلال المرحلة المقبلة وتغيير ما أسماه الطبقة الحاكمة الحالية وكأنه هو وتياره خارجها؟ هل يخدع بذلك نفسه أم يخدع الآخرين؟ ولا يمكن لأي لبناني أن يأخذ أقواله على محمل الجد، خصوصاً أن شرطه هو “رئيس يستطيع أن يكمل الطريق”، وتلك اشارة واضحة الى أن المقصود الرئيس الظل في عهده (باسيل ما غيره).
والمضحك المبكي أن عون يريد المحاسبة، معتبراً أن ما قام به من إشعال فتن طائفية وخلافات على الصلاحيات وتعطيل أعمال الحكومات ووضع العصي في دواليب التشكيل وتطبيق الطائف عقدة عون الأزلية، هو للاصلاح وليس مناكفات من أجل تأمين المصالح الذاتية والخاصة، وهذا ما بدا واضحاً في حفلات توزيع الأوسمة في قصر بعبدا لمن صفق لحكمه بينما استُبعد مبدعون حقيقيقون رفعوا اسم لبنان عالياً.
اعتبر عون أن ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل كان هديته الى اللبنانيين، فكيف يمكن أن يقنع أحداً ما بأن التنازل عن السيادة والثروة والتخلي عن الخط 29 وعن حقل “كاريش” والقبول بشراكة مع اسرائيل في البلوك 9 بطولة لا خيانة وطنية؟
ومن يتابع كلام عون في هذا الاجتماع من رمي للاتهامات وتحميل الأزمات التي وقعت في لبنان لغيره يعتقد أنه لم يكن حاكماً في القصر 6 سنوات ولا يزال يعرقل ويحرك ويحرق لبنان ويتفرج من الرابية.
بدا خطاب عون شبيهاً بخطاب قوى الثورة ويسارييها وممانعيها، لكأن روح القدس اشتعلت فجأة ليتحدث عن بناء الدولة وهو الذي حاول تحطيم أسسها الدستورية وتجاوز قوانينها، الا أنه كان معبراً فاضحاً عما يضمره عن “ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكمل ما بدأه”، أي الخليفة المنتظر.
ولنتوقف هنا أمام ادعاءات ما أنجزه عون في عهده، فهو استباح المؤسسات بتعيين أزلامه في معظم الادارات التابعة للدولة أمنياً واقتصادياً وخدماتياً وقضائياً بمساعدة من حليفه “حزب الله” الذي تعامل معه وفقاً لــ “مرقلي لمرقلك حبيب القلب”.
ويظهر عون نفسه عفيفاً شريفاً فلا علاقة له بالانهيار ويطلب تغيير “الطبقة الحاكمة”، وهي عبارة مقتبسة من قاموس “شيوعي”.
ويبقى أن عون بشّرنا باستمرار الفراغ اذا لم يتولَّ باسيل الرئاسة أو من يريده، فلا أحد يرضيه لا قائد الجيس العماد جوزيف عون ولا رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية ولا أي مرشح آخر للمعارضة بالطبع، وهو بذلك يحرج حليفه لا سيما وأن هناك مبادرة من أصدقاء لبنان لعقد مؤتمر عربي – غربي يعتمد على تنفيذ الورقة الكويتية أساساً لبدء مساعدة لبنان على الخروج من أزمته.
وفي الختام، لا بد من تذكير الرئيس السابق بأنه في عهده حصلت ثورة أسقطت تسوية توليه السلطة، ووقع انفجار “نووي” دمر مرفأ بيروت ومحيطه في 4 آب 2020 وقتل أكثر من 200 شخص وأصاب ما يناهز الستة آلاف اضافة الى دمار مؤسسات تجارية وأبنية سكنية، وتدهورت الليرة اللبنانية وتهاوت وتخطى سعر الدولار الـ 48000، وارتفع معدل الفقر الى 74 بالمئة، وقضى اللبنانيون لياليهم على محطات البنزين حتى وصل سعر الصفيحة الى ما فوق الـــ 820 ألفاً، كما ارتفع سعر ربطة الخبز أضعافاً مضاعفة، وهُرّبت أموال المسؤولين الى الخارج.
وفي عهده الذي يريد أن يستكمله صهره هاجر الشباب وتركوا وطنهم بحثاً عن علاج ودواء وكرامة عيش وعمل منتج ولم يهابوا مراكب الموت فكرروا التجارب الخطرة هرباً من العيش في الجحيم. حارب عون أخصامه وحلفاءه وانقلب على التوافقات والتسويات، ويأتي اليوم ليعقد واقع الحال وهو خارج السلطة حتى “يخلوه”… بئس هذا الرئيس الذي أبأس الوطن.