عندما نتحدث عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لأكراد لبنان، يجب العودة إلى تاريخ وجود هذه الشريحة ضمن النسيج الاجتماعي اللبناني.
وجود الكرد في لبنان قديم يعود الى العهد الأيوبي، إذ اعتمدت الأسرة الأيوبية على القبائل والعائلات الكردية في حروبها مع الصليبيين وفي حماية الثغور، لذلك نجد اليوم ما بقي من هذه العوائل والقبائل منتشراً في المدن الساحلية لبلاد الشام. كما شهد العهد العثماني قدوم العديد من العوائل بحكم الوظيفة المدنية والعسكرية، ويقال إن محافظة عكار تعود بتسميتها إلى هكاري المدينة الكردية موطن عائلة آل سيفا والمرعبي.
تزايدت هجرة العوائل الكردية إلى لبنان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وتقسيم وطن الكرد بين أربع دول وإلغاء بنود معاهدة سيفر عام 1920 واستبدالها باتفاقية لوزان عام 1923 التي أنكرت على الكرد حقهم في وطن مستقل، ثم أتت الثورات الكردية تباعاً في الأعوام 1920 و1925 و1927 و1938 فتعرضوا لحملات قمع وإبادة ممنهجة.
وساهمت الأسباب الاقتصادية والفقر لدى سكان الريف والمناطق النائية الكردية في الجبال الوعرة التي كانوا يعيشون فيها، في الهجرة واللجوء إلى لبنان.
وتشير رئيسة “رابطة نوروز الثقافية الاجتماعية للكرد اللبنانيين” حنان عثمان، في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى “العصيان والانتفاضات التي شهدتها المناطق الكردية والثورات الشعبية التي طالبت في تلك الحقبة الزمنية بحق الأكراد في تقرير المصير كأي شعب آخر، لكن آلة البطش التركية، حالت دون ذلك مما أدى إلى تهجير الآلاف ليتوزعوا ويعيشوا في الشتات بينهم ثوار ورجال سياسة وفكر كانوا يناضلون من أجل حقوقهم، واتخذ العديد منهم لبنان محطة للنشاط السياسي والثقافي، ومنهم من حصل على الجنسية اللبنانية واندمج في النسيج الوطني اللبناني وأصبح جزءاً لا يتجزأ منه. والجدير بالذكر أن أصول بعض العائلات كآل جنبلاط والمرعبي وآل سيفا والأيوبي وحميّة ومشيك تعود إلى الأكراد”.
لكن في المقابل، لم يُمنح العديد من الأكراد الجنسية اللبنانية عكس الأرمن الذين احتضنهم الغرب والسلطات اللبنانية وخصصت لهم أماكن للسكن ولهم تمثيل في المجلس النيابي، ولم يمنح الشعب الكردي أية حقوق، لأسباب سياسية وطائفية ودينية واجتماعية واقتصادية وثقافية.
العلاقة مع جنبلاط
تصف عثمان العلاقة مع آل جنبلاط بـ “الطويلة والتاريخية لكون العائلة من أهم العائلات الكردية اللبنانية”، موضحة أن “نظرة الكرد الى العائلة الجنبلاطية هي نظرة تقدير وافتخار وحب. والمرحوم كمال جنبلاط كان يولي الكرد إهتمامه وكان له دور كبير في حصول البعض على الجنسية اللبنانية وساندهم في تشكيل الجمعيات الخيرية والمنتديات. وألقت الحرب الأهلية اللبنانية بظلالها السلبية على الكرد الذين هاجر قسم كبير منهم إلى أوروبا وعاد قسم آخر إلى الوطن الأم”.
التمثيل النيابي تجربة مريرة
حنان عثمان هي أيضاً عضو “المجلس النسائي اللبناني” ولجنة الدفاع عن حقوق المرأة، نموذج لامرأة لم تستطع الحصول على حقها في التمثيل النيابي لاعتبار الأكراد من الطائفة السنية. لكنها على الرغم من ذلك، خاضت باسم الشعب الكردي، المعركة الانتخابية عام 2018 لأول مرة كسيدة كردية، وكانت تجربة صعبة ومريرة بالنسبة اليها.
حرمان الشعب الكردي
تلفت عثمان إلى أن “الشعب الكردي محروم حتى من تسمية أولاده باللغة الكردية في سوريا وتركيا، فكانوا يسمّون بأسماء تركية أو فارسية مثال على ذلك الشهيدة جينا أميني التي سميت مهسا وكانت سبب اندلاع الانتفاضة الكبيرة في إيران، وبدأت ثورة المرأة من خلال جينا أي الحياة بالكردية، لكن السلطات سمتها مهسا بسبب منع التسمية بهذه اللغة”.
وترى عثمان أن “محطات الظلم لا تنتهي في جميع دول الشتات التي توزع بينها الأكراد بسبب حرمانهم من حقوق المواطنة والحقوق المدنية والسياسية. فعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لتعداد الكرد في لبنان، فإن هناك ما بين 80 و160 ألف كردي لبناني ومع ذلك ليس لديهم الحق بمقعد خاص في البرلمان اللبناني، لأن لا اعتراف دستورياً بهم، مما يشعرهم بالغبن والحرمان ويؤثر في تطوير هذا الشعب وشعوره بأنه يمثل جزءاً من النسيج الوطني اللبناني خصوصاً أنه ليس لديهم كيانهم الخاص ولا يمكنهم إدارة مناطقهم بأنفسهم”.
ويستفيد الكردي اللبناني من مؤسسة الضمان الصحي التابع لوزارة الصحة العامة إذا كان مسجلاً لدى شركة أو كسائق عمومي، لكن عدا ذلك ليس باستطاعة الأكراد أن يستفيدوا من أي مؤسسة خاصة بالضمان الصحي، لكلفتها العالية فيلجأون الى المستوصفات الخيرية.
وفي حالات الزواج؛ يلجأون بطبيعة الحال إلى المحاكم الدينية لكون الكرد هم من المذهب السني ويثبّت زواجهم لدى الدولة.
دور الأكراد في لبنان
كان للأكراد مساهمات وتضحيات كبيرة في الاستقلال اللبناني حتى يقال إن من رفع العلم آنذاك كان كردي الأصل، فقدموا التضحيات واستشهد عدد كبير منهم في سبيل الاستقلال وحاولوا الاندماج بالمجتمع اللبناني ونسيجه الوطني لكن، كما تقول عثمان: “كان هناك تمييز ضد الأكراد الذين وصفوا بالغرباء ونعتوا بألفاظ فيها نظرة غير مقبولة اجتماعياً ولا نفسياً. ولأن منهم من لم يُمنحوا الجنسية، فلا يستطيعون أن يكملوا تعليمهم وليست لديهم القدرة على العمل في مناصب مهمة في الدولة لتسهيل حياتهم وتطويرها اجتماعياً وعلمياً، ما جعلهم يعيشون في بؤرة لا تواكب التطور التكنولوجي أو الحضاري”.
وتدعو عثمان لبنان الذي تعتبره موطن الديموقراطية والحريات والعيش المشترك إلى “منح الأكراد حقوقاً أكثر وتمثيلاً نيابياً”، والجمعيات الكردية أيضاً الى “العمل كمؤسسات متواجدة في لبنان”. وطلبت من الدولة اللبنانية “أن تحتضنهم وتفسح في المجال القانوني والسياسي لهم ليصبحوا قادرين على العمل في المجالات كافة أكثر”.
ويقول ممثل الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا عبد السلام أحمد لموقع “لبنان الكبير”: “إن الكرد غير معترف بهم في الدستور اللبناني كما الأرمن والطوائف الدينية، لذلك لا كوتا لهم، وهم محسوبون على الطائفة السنية”.
يبقى الشعب الكردي شعباً مقاتلاً ومقاوماً وله تاريخ ونضالات كبيرة جداً، وهو شعب محب لغيره ولجميع الأطياف والكيانات والمكونات المحيطة به، ويتعاطف مع الغير، وإن كانت بعض الدول التي عاش فيها لم تحتضنه، إلا أنه ينتمي الى أمة عريقة وله احترامه لدى الشعب اللبناني، وللعلم فإن السلطات اللبنانية تسمح للكرد بممارسة النشاطات الثقافية والاحتفال بالأعياد القومية كعيد النوروز وتدريس اللغة الكردية في مدارس خاصة.