التصريف الضيّق للأعمال خطيئة كبيرة في هذه الظروف الصعبة

29 ديسمبر 2022
التصريف الضيّق للأعمال خطيئة كبيرة في هذه الظروف الصعبة


على رغم تأكيد “البعض” أنه “غير مفرّص” فإن كل المؤشرات على أرض الواقع توحي بأن أهل السياسة دخلوا منذ الجلسة العاشرة الافتراضية المخصصة، قولًا، لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، في عطلة طويلة الأمد قد تمتد إلى منتصف الأسبوع المقبل، من دون أن يرّف لأحد منهم جفن، ومن دون أن ينتابهم أي شعور مما ينتاب المواطنين العاديين غير الذين لا همّ لهم هذه الأيام سوى التفتيش عن أغلى السهرات، التي يحييها كبار الفنانين، ليمضوا فيها سهرة رأس السنة.   

وحدها الحكومة “غير مفرّصة” إذا جاز التعبير، وإن في شكل افرادي إلى حين “الحاجة إلى عمل جماعي” من خلال ما يمكن أن يستجدّ من تطورات قد تفرضها الظروف القاهرة، والتي تستوجب عقد أكثر من جلسة حكومية، من دون الشعور بعقدة ذنب تجاه أي كان. المهم بالنسبة إلى رئيسها أن تصل إلى المواطن أدنى حقوقه، من دون تربيحه “ألف جميل”، لأن من حقّه أن تسهر الحكومة على مصالحه، وتحاول إصدار ما يستلزمه من قرارات ومراسيم لتسيير شؤونه. فهموم الناس في هذه الظروف الصعبة والخطيرة هي بالنسبة إلى الرئيس نجيب ميقاتي أولوية. أمّا ما دون ذلك فيبقى في إطار “شدّ الحبال السياسية”، خصوصًا في ضوء ما تجمّع لدى أكثر من مرجعية سياسية وروحية من معلومات ومعطيات خارجية تشي بأن الانفراج الرئاسي قد لا يكون في المدى المنظور.  
ولهذه الأسباب، ولأن الأفق الرئاسي يبدو مسدودًا، فإن الأولوية تنحصر في الوقت الراهن بمحاولة تقليل الأضرار الناجمة عن الفراغ الرئاسي، الذي هو مسؤولية سياسية جماعية من دون استثناء أحد من الأفرقاء السياسيين الممثلين جميعًا في البرلمان، ولو بأشكال وبأحجام متعدّدة، ولكن لكل واحد منهم دورًا عليه أن يقوم به من ضمن ما يفرضه الواجب الدستوري عليه.   
وعليه، فإن المطلوب من الكتل النيابية، الكبيرة منها والصغيرة على حدّ سواء، أن تتحمّل مسؤوليتها التاريخية تجاه ناخبيها، وأن تقوم بما يفرضه عليها واجبها الدستوري الأهمّ، إذ لا يُعقل أن تبقى البلاد من دون رئيس للجمهورية مدّة طويلة. فتجربة العام 2014 المرّة لا يمكن تكرارها في العام 2023، وذلك بسبب ما نجم عن سوء إدارة البعض لأمور الدولة، والتي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من حال سرطانية يبدو أنها غير قابلة للشفاء بعلاجات تقليدية أو من خلال التداوي المؤقت بالمسكنات الظرفية.  
ما يحاول أن يقوم به رئيس الحكومة هو أكثر من تصريف أعمال بمعناها الضيّق. فالوقت ليس وقت ترف، وهو ليس الوقت الذي لم يخطر على بال المشترع عندما ألزم حكومة تصريف الأعمال بالحيز الضيق لهذا التصريف، لأنه لم يكن ليتوقع أن نواب الأمة سيتخّلون عن واجبهم الدستوري الأهم ألا وهو انتخاب رئيس للجمهورية، ولم ترد كلمة “فراغ رئاسي” في ذهنه على الاطلاق عندما أورد في متن الدستور اللبناني المادة التي تتحدّث عن مهام حكومة تصريف الأعمال.   
فتصريف الأعمال بالمعنى الضيق لهذا التصريف تجوز في الحالات العادية، ولكنها قد تكون خطيئة مميتة في مثل هذه الظروف الصعبة، التي تمرّ بها البلاد، والتي تحتاج إلى مضاعفة الجهود، و”مغط” الضيق ليصبح مطّاطًا أكثر بما يلبي حاجات الناس، في ظلّ تخّلي السياسيين عن أبسط واجباتهم الدستورية.