من المُفترض أن يُطلّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، يوم غدٍ الجمعة، في آخر خطاب له هذا العام، مُتحدثاً عن مختلف الملفات السياسية الضاغطة، لاسيما تلك المتعلقة بانتخابات رئاسة الجمهوريّة والملف الحكومي والعلاقة المتوترة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”.
في الواقع، فإنّ ما سيتحدث عنه نصرالله يوم غدٍ سيكون مقدّمة للمرحلة المُقبلة، وقد يكونُ الأمين العام هذه المرة مُصرّاً على الغوص في الملف الرئاسي أكثر من أي وقتٍ مضى مع التشديد على دعوات الحوار التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري باتجاه الأطراف السياسية بهدف تقريب وجهات النظر بشأن الإستحقاق الرئاسي. إلا أنه في الوقت نفسه، فإنّ نصرالله قد لا يكشِفُ عن ورقة “حزب الله” الرئاسية بشكلٍ حازم وجازم، فمن جهة، سيُحاول أن يوضح مطالب الحزب وأولوياته في ما خصّ هذا الاستحقاق، لكنه لن “يكسر” الجرّة مع أحد، والمعني هنا رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس تيار “المرده” سليمان فرنجيّة.
وأمام عمليّة “ترطيب” الأجواء التي ستحكم خطاب نصرالله يوم غدٍ، فإنهُ ثمّة إشارات ودلالات يمكنُ أن يقدمها الأخير باتجاه الحلفاء، والأمر الأهم هو أن نصرالله قد لا يُبادر إلى فتح معركةٍ مع أحد، كما أنه لن يضعَ أي “فيتو” باتجاه أي شخصيّة “غير استفزازية”. هنا، يمكن أن يكون نصرالله قد غمزَ في قناة قائد الجيش العماد جوزاف عون، إلا أنه في المقابل سيكونُ بعيداً عن حسم أي موقف باتجاه الأخير، وذلك ضماناً لعدم تحميل “حزب الله” أيّ خيارٍ يمكن أن يُلصقَ به قبل أوانه.
بشكلٍ أو بآخر، فإنّ نصرالله في خطابه المفصليّ يوم الجمعة، لن يُبادر إلا لتهدئة الجبهات، فهذا الأمر من مصلحة “حزب الله” داخلياً وخارجياً. فمن جهة، يريد الحزبُ أن ينزع عن نفسهِ صفة التعطيل التي لازمتهُ خلال الفترة السابقة، ومن جهة أخرى يسعى إلى لإرسال رسائل إلى الخارج وتحديداً الفرنسيين مفادها أن الحزب سيستمرّ في النهج الذي يسيرُ عليه في الوقت الرّاهن.
وإذا كانت العلاقة مع “التيار الوطني الحر” ستكونُ محوراً أساسياً ضمن كلام نصرالله، فإنّ الأخير قد يُبادر إلى “تكريم” الرئيس الرّوحي للتيار، رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، من خلال إنصاف عهده الرئاسي الذي دام لـ6 سنوات. وفي الواقع، هذا الأمرُ فعله نصرالله سابقاً، لكنه قد يُكرره هذه المرة، وبالتالي التأكيد على دور عون الأساس في حفظ التفاهم مع “حزب الله”. وأمام ذلك، قد يُبادر نصرالله إلى “حفظ جميل عون”، لكنه في المقابل سيؤدّي رسائل سياسية واضحة باتجاه باسيل من أجل حسم الخلاف، وعبر الخطاب ستكونُ كلمة الفصل.
ما يُمكن استشرافه في كلام نصرالله أيضاً هو أنّه قد يكونُ مقدّمة للتأكيد مُجدداً على ضرورة “تطوير تفاهم مار مخايل” بين التيار و “حزب الله” من دونِ أن ينسف روحيّته. وحُكماً، هذه الدعوة حصلت سابقاً، وقد يُعلن نصرالله على وجوب تفعيل اللجان المشتركة بين الطرفين لتطوير هذا التفاهم أولاً، ولإرساء خطوطٍ سياسية عريضة تشير إلى أنه لـ”حزب الله” قدرة على التحرك وفق ما يراه مناسباً وضمن سقف التحالفات، مع التأكيد على أن الموضوع الحكومي الذي أجّج النار بين “التيار” و”الحزب” يبقى في إطار تسريع أحوال الناس لا أكثر ولا أقل. وبمعنى آخر، فإن نصرالله سيحصر الخلاف مع “التيار” في خانةٍ واحدة من دون توسيعها، وهذه الخطوة قد تكون إشارة باتجاه باسيل لـ”ضبضبة الخلاف” وعدم توسيعه كما فعل حينما تحدث عن “الدور” و الإستهداف وروحية التفاهم وغيرها من الأمور.
أمنياً، فإنّ نصرالله قد يُقدّم جردة حساباتٍ خلال العام 2022 مع التأكيد على ما فعله “حزب الله” على مختلف الأصعدة المرتبطة بالتنسيق مع الجيش والقوى الأمنية ناهيك عن دوره في ملف ترسيم الحدود البحرية. ومع ذلك، قد يكون لنصرالله موقفٌ واضح بشأن حادثة العاقبية التي تعرضت خلالها آلية لقوات “اليونيفيل” لإطلاق نار. وعند هذا الأمر، سيُبادر نصرالله إلى تهدئة الأجواء أكثر، وإبراز رسالتين أساسيتين: الأولى وهي أن “اليونيفيل” محمية في الجنوب ولا عداء معها أبداً، فيما الرسالة الثانية ستكون مرتبطة بعنوان أساسي وهو أن “حزب الله” متعاون لكشف الحقائق وتسليم المتورطين ولا يقبل بالاعتداء، لكنه في مقابل ذلك لا يرضى بأي خطوة تستبيح الجنوب من أي جهة.