جبران باسيل هو هو. كمان كان في العام 2022 وفي الأعوام الحزينة الستة الماضية سيكون في العام 2023. لن يتغيّر.التعطيل هواية لديه حتى منذ نعومة أظافره. وهذا ما يرويه عنه زملاؤه، الذين لم يبق منهم أحد، لأنه يعتمد سياسة “أن الصحبة هي مصالح قبل أي شيء آخر”
من هنا جاءت حركته الأخيرة، وهي حركة بلا بركة، ومع هذا يقول بعض الذين يريدون هدفهم أن يأكلوا عنبًا وليس قتل الناطور إنه ليس خطأ أن يلتقي باسيل رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، أو رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية. هذان اللقاءان، في رأيهم، أكثر من ضروريين، ولكن في اعتقادنا أنهما لن ينتجا حلحلة في الموضوع الرئاسي، ولن يساهما في إقناع من لا يقتنع من أحد. جلّ ما في الأمر هو أن هذه الحركة تأتي في الوقت الضائع، وهي لا تتعدى إطارها الضيّق والمحصور ضمن “شرنقة” الاتصالات العقيمة، والتي تبقى نتائجها مرهونة بما يليها من خطوات مفترضة لملء الفراغ الرئاسي. فهذا الفراغ إن لم يُملأ قريبًا فإن البلاد مقبلة على أزمات خطيرة، أقّله بالنسبة إلى عدم قدرة أحد على لجم تلفت سعر صرف الدولار وارتفاعه الصاروخي، بالتوازي مع الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الاستهلاكية.
فما بعد لقاء باسيل كلًا من جنبلاط وفرنجية هو كما قبله. لا شيء تغيّر أو سيتغيّر. لكل منهم رأيه السياسي، ولكل منهم توجهاته وخياراته وتحالفاته. ما هو مؤكد أن لا جنبلاط ولا فرنجية اقتنعا بوجهات نظر باسيل، سواء تلك المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي، أو تلك التي لها علاقة بالمسار السياسي والاقتصادي، أو كيفية الخروج من الأزمات المتراكمة. فجنبلاط باقٍ على موقفه، وكذلك فرنجية. أمّا باسيل فيحاول أن يخرج من عزلته السياسية، التي وضع نفسه فيها، بعد أزمته مع “حزب الله”، والتي يقول عنها إنها “غيمة صيف وستعبر”.
الذين يتعاطون في الشأن الانتخابي الرئاسي، وهم مختصّون في الحسابات الرقمية، يرون أنه بات على الجميع الاقتناع بأن التفرّد بالرأي لن يوصل إلى أي مكان، وذلك بعد تجارب عشر جلسات انتخابية صورية فاشلة، وبعدما وضع كل فريق “ثقله” بالكامل من أجل تحصيل صوت بالزائد، سواء بالنسبة إلى المرشح النائب ميشال معوض، أو المرشح سليمان فرنجية المضمر وغير المعلن، والمعبّر عنه بـ”الورقة البيضاء”.
هذا ما حاول الرئيس نبيه بري إفهامه للجميع، وبالأخص لتكتلي “لبنان القوي” و”الجمهورية القوية”، اللذين رفضا دعوته إلى الحوار في الشكل والمضمون والتوقيت، على رغم علمهما المسبق أن هذه الدعوة هي الوسيلة الوحيدة الممكنة والمتاحة للخروج من دوامة “التمترس” وراء مواقف خشبية يعتمده البعض من دون أن يعطي تفسيرات منطقية لهذا الرفض.
فسياسة التعطيل، التي يعتمدها جبران باسيل، لن تفيده ولن تفيد البلد، بل تزيد الأمور تعقيدًا.
الناس الذين ينتظرون في “الصف” حبّة دواء لا يعنيهم شيء مما يُسمى “صلاحيات رئيس الجمهورية” أو حقوق المسيحيين”. ما يعنيهم هو ألا يموت مريضهم على أبواب المستشفيات، وأن يتأمن الدواء لمرضى السرطان، وأن يتمكن من يعاني من قصور كلوي أن يغسّل كليتيه من دون تعريض حياته للخطر.
آخر همّ المواطن أذا وقعّ هذا الوزير أو ذاك على هذا المرسوم أو ذاك. ما يهمّه هو أن تمشي أمور الناس وما يتعلق بحياتهم اليومية مباشرة.
آخر همّ المواطن إذا كان جبران باسيل يتعرّض لمحاولة “قتل معنوي”، كما قال الرئيس السابق ميشال عون.
آخر همّ لدى المواطن العادي، الذي لا يجد ما يبعد عنه زمهرير كانون في القرى الجبلية، إذا كان جبران باسيل راضيًا عن أداء الحكومة، التي يرى أن اجتماعاتها غير ميثاقية وغير قانونية.
هموم الناس اليوم أكثر بكثير من انشغالات جبران باسيل وغيره ممن هم من نفس “الجبلة”.