تتراجع التقديرات الايجابية لفترة ما بعد عطلة الاعياد، بعد ان كان هناك نظرية جدية مبنية على معطيات تقول بأن بداية العام الجديد ستشهد تطورا ايجابياً على صعيد الانتخابات الرئاسية ، وان القوى السياسية ستقوم بالتنازل من اجل ايجاد حلول حقيقية للازمة ،خصوصا ان بعض الدول المعنية ستمارس ضغوطاً لانهاء الفراغ بسرعة قياسية…
لكن عدم نضوج التسوية الاقليمية ادى الى جعل الواقع السياسي الداخلي مربكاً ولم يفتح ابواب الحلول والتوافقات في ظل تكريس الستاتيكو النيابي القائم على جناحين، جناح الورقة البيضاء وجناح ترشيح رئيس حركة الاستقلال النائب ميشال معوض، ما طرح السؤال عن مصير المشاورات الحاصلة بين مختلف القوى السياسية والتي تتكثف منذ اسابيع قليلة. كما طرحت الازمة اسئلة عن الواقع المسيحي وحجم الضرر الذي قد يصيب الحضور السياسي للمسيحيين في لبنان في حال بقي الفراغ الرئيسي على حاله، وكيف يمكن استيعاب الاستنزاف الذي تعاني منه القوى السياسية المسيحية في ظل تخبطها في ما بينها وعدم تمكنها من التحالف او التوافق للوصول الى تثبيت حقوقها السياسية.
بحسب مصادر مطلعة فإن المسيحيين باتوا اليوم أمام عدة خيارات سياسية، اولها الذهاب نحو حوار سريع بين القوى الرئيسية وتحديدا بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر من اجل الوصول الى اتفاق حاسم على اسم رئيس جديد للجمهورية وهذا سيكون بمثابة قلب للطاولة على باقي القوى السياسية ،خصوصا وان القوى المسلمة ستضطر الى احترام خيارهما السياسي. وهذا التوجه سيعيد للقوى المسيحية الفاعلية السياسية .
اما الخيار الثاني المتاح مسيحياً فهو الاستسلام لفكرة الفراغ الرئاسي وترك القوى الاسلامية تتفق على اسم مرشح جديد لتسير معها هذه القوة المسيحية او تلك، وهذا ما يشبهه البعض بحقبة الوجود السوري في لبنان. اما الخيار الثالث فهو الضغط من اجل ان يقوم بعض الدول المعنية، الاوروبية تحديدا بدور اوسع في لبنان، وتحقيق التوازن الذي لا تستطيع القوى المسيحية المشرذمة تحقيقه، لكن عندها سيكون التفاوض بين هذه الدول مثلا وبين حزب الله والقوى السنية، وهذا قد يكون على حساب الحضور المسيحي في المؤسسات الدستورية وان كان لصالح التوجه السياسي العام للمسيحيين.
لا شك ان حصول فراغ دستوري في سدة الرئاسة للمرة الثانية على التوالي يوحي بأن ازمة حقيقية يعاني منها النظام اللبناني اصابت بشكل دقيق المسيحيين الذين باتوا مضطرين ان يختاروا احد الخيارات الصعبة التي لن تكون لصالحهم على المديين المتوسط والبعيد، بل ستجعلهم اكثر من اي وقت مضى امام مسؤولية وطنية تاريخية بإستعادة التوازن الدستوري والسياسي في لبنان، وهذا الامر ليس متاحا بسهولة.