منذ عدة اشهر تبدلت الاستراتيجية الاميركية في لبنان وبات الاميركيون غير مهتمين بالساحة اللبنانية كما كانوا يهتمون بتفاصيلها خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. لذلك ظهرت عواصم جديدة باتت اكثر انخراطاً في الكباش السياسي اللبناني التقليدي مستفيدة من الغياب الاميركي المباشر.
وبحسب مصادر مطلعة فإن الاميركيين يحافظون على أهدافهم ذاتها على الساحة اللبنانية، وهم يرغبون بشكل علني ومباشر بإضعاف حزب الله اولا، وتقليص حضوره داخل المؤسسات الدستورية ثانيا، “وتقليم اظافره” الممتدة الى المنطقة ثالثاً، وهذا لا يمكن تغييره في الاستراتيجية الاميركية.لكن الذي تغير في الاشهر الاخيرة، كما تقول المصادر ، هو اسلوب العمل للوصول لهذه الاهداف، فبعد ان تقدمت نظرية الضغوط القصوى خلال ولاية ترامب، من اجل ضرب بيئة حزب الله الشعبية ودفعها الانقلاب عليه، باتت اليوم الواقعية السياسية هي التي تحكم المسار الاميركي في لبنان.
تبنت الادارة الاميركية الجديدة النظرية الفرنسية نجاه الوضع اللبناني ، على اعتبار ان باريس اقدر على فهم الواقع الاجتماعي والسياسي في لبنان، والاكثر تعرضاً للارتدادات اي تطور سياسي او اقتصادي في لبنان بسبب القرب الجغرافي، اذ تمكنت باريس من فرض ايقاعها على معظم التوجه الغربي.اولى تبدلات الاستراتيجية الاميركية كانت بإبتعاد واشنطن عن التعامل المباشر مع الساحة اللبنانية، اذ بات هناك قوى دولية واقليمية اخرى على تماس مع القوى السياسية والدولة اللبنانية وتحديدا فرنسا وقطر، وهذا الامر يسهل عملية التسوية على اعتبار ان المواقف السياسية للاميركيين حادة اكثر وتستفز بعض القوى السياسية في لبنان.ثاني التغييرات الظاهرة في السياسة الاميركية تجاه لبنان، هي تراجع اسهم النظرية التي تقول بأن الانهيار الكامل في لبنان سيؤدي الى انهيار مماثل لحزب الله، وهذا يعني ان واشنطن لم تعد متمسكة بشكل حاسم بفكرة عرقلة اي عملية انقاذ في لبنان، واذا كان الاميركيون غير راغبين بخوض معركة لانقاذ لبنان، الا انهم ليسوا في وارد وضع فيتو على اي عملية انقاذ.
ثالث التبدلات في الاستراتيجية الاميركية هو التراجع عن خوض معركة الاضعاف الفوري للحزب ، وهذا ما كان معتمداً عام 2019 مثلا، وبات هدف واشنطن اليوم الحفاظ على الوضع القائم فقط.. فهل تكون السياسة الاميركية الجديدة دليلا على قدرة واشنطن على التعايش مع التطورات ام تنازلا سياسيا حاسما امام حزب الله ؟