رأى الأمين العام المساعد لاتحاد أسواق المال العربية د. فادي قانصو في حديث لـ” الديار” أن ما شهدناه من ارتفاع جنوني في سعر الصرف في السوق السوداء خلال الأيام المنصرمة جاء عكس التوقعات السوقية التي كانت من المفترض أن تندرج في إطار بعض التراجع في سعر الصرف أو بالحدّ الأدنى استقراراً في سعر الصرف بسبب فترة الأعياد ودخول الدولار إلى السوق عبر المغتربين الوافدين إلى البلاد أو حتى عبر المقيمين، لاسيما وأن موظفي القطاع العام قبضوا هذا الشهر بين راتبين و3 رواتب بالعملة الصعبة عبر منصة صيرفة.
وأشار الى أن التفلّت الحاصل اليوم في السوق ناجم في الدرجة الأولى عن عمليات شراء واضحة للدولار أكان من قبل بعض المضاربين أو تجار العملة أو المهربين، أم ناجم عن عمليات شراء من قبل المصرف المركزي الذي عوّدنا منذ ما يقارب العامين على خطوات استباقية باتت متوقعة بين الحين والآخر، تتلّخص وبكل بساطة بعمليات شراء منظّمة للدولار الأميركي من السوق السوداء، ينجم عنها ارتفاعات صاروخية في سعر الصرف، ليعاود المركزي ضخّها من جديد في محاولة منه للجم سعر الصرف الذي ساهم هو أساساً في رفعه عبر عمليات الشراء تلك وضخ أحجام كبيرة من الليرات لتمويل هذه العملية.
واعتبر ان هذه السياسة العوجاء، وكما أثبتت التجارب، لا ولن تساهم سوى في تخفيض سعر الصرف إلى مستويات أعلى من المستويات التي سجلها في مراحل سابقة قبل أن يعاود ارتفاعه إلى مستويات قياسية جديدة بعد فترة زمنية من التأقلم النفسي مع هذه المستويات الجديدة.
في هذا السياق، يرى قانصو انه من غير المستبعد أن نشهد في الأيام القادمة بعض التراجع في سعر الصرف ناجم فقط عن محاولة لكبح الطلب على الدولار جراء توقف مصرف لبنان عن شراء الدولار من شركات التحاويل والصرافة وعودته الى بيع الدولار على سعر منصة ٣٨الف ليرة للدولار ، وليس جرّاء الفائض في عرض أو بيع الدولار من قبل المركزي. ولكن سرعان ما ستتبدّد مفاعيل هذه الإجراءات في ظلّ الشكوك حول قدرة المركزي على تحقيق الاستدامة لهذا الاجراء الذي يتطلّب منه عمليات شراء جديدة من السوق لإشباع احتياطياته بشكل مستمر في ظلّ غياب الحلول الجذرية، وتحديداً إذا لم يحصل أي خرق على المستوى الرئاسي.
ووفق قانصو ينبغي التفريق هنا بين مسار سعر الصرف على “مدى متوسط” وبين تقلبية سعر الصرف على “مدى قصير”، فالمسار يحكمه تقلبات دورية قصيرة الأمد مثل العوامل السياسية، تشكيل حكومة، فراغ حكومي أو رئاسي، تعاميم واجراءات من هنا وهناك، ولكنها لا تستطيع أن تغيّر في مساره على المدى المتوسط والطويل، وبالتالي فإن أي خطوات استباقية سرعان ما ستتبدّد مفاعيلها إذا لم تترافق مع خطوات إصلاحية جريئة وجدّية تصحّح الاختلالات البنيوية الاقتصادية المتحكّمة هي وحدها في مسار سعر الصرف واستدامته في المدى المتوسط والطويل، والدليل ما حصل بعيد تشكيل الحكومة الأخيرة أو في أعقاب كل التعاميم التي صدرت في الآونة الأخيرة لناحية عدم جدواها وذلك في استمرار واضح لعملية شراء وقت منذ ما يقارب 3 أعوام، بانتظار الحلّ الجذري السياسي والاقتصادي لأزمة تعتبر من ضمن أسوأ الأزمات الاقتصادية حول العالم منذ ما يقارب القرن من الزمن.