مع نهاية كل سنة يتسمرّ اللبنانيون، كبيرهم وصغيرهم، أمام شاشات التلفزة، ليستمعوا إلى ما سيتوقعه هذا المنجمّ أو ذاك الضارب بالرمل عمّا سيحصل من تطورات واحداث خلال العام الآتي. يستمعون بشغف، ولكنهم في قرارة أنفسهم لا يصدّقون كلمة واحدة مما يُقال، لأن المنجمين يكذبون حتى ولو صدقوا. فالوضع في لبنان لا يحتاج إلى الكثير من التوقعات لكي يُعرف الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وكل ما يُقال عنه يمكن أن يتحقّق، سلبًا أو إيجابًا. فلبنان هو بلد المفاجآت والتناقضات.
لا يحتاج اللبنانيون إلى معرفة ما يخبئه لهم الزمن، لأنهم يعيشون كل يوم بيومه، خصوصًا أن لكل يوم مشاكله وهمومه ومفاجآته الكثيرة، التي لا يمكن توقّعها قبل حصولها. وعلى رغم أن الصورة التي رسمها بعض هؤلاء المنجمين كانت بيضاء نوعًا ما قياسًا إلى توقعات العام الماضي، فإن الواقع الذي يعيشه اللبنانيون في يومياتهم يبقى “أصدق إنباء من الكتب”، لأن نتائج مآسيه تشبه إلى حدّ كبير نتائج ضربة السيف المهندّ.
نريد أن نصدّق أن الأيام الآتية ستكون أفضل بكثير مما سبقها من أيام كانت صعبة على معظم اللبنانيين.
نريد أن نصدّق أن ما رأيناه من هيصة ومن “فرفشة” في سهرات رأس السنة هو حقيقة لبنان.
ونريد أن نصدّق أن الأزمات التي يعيشها اللبنانيون هي أزمات عابرة أو غيمة صيف وتمرّ.
ومع هذا لا يزال الواقع المأسوي أقوى وقعًا من كل التوقعات. فأيدي الناس في النار فيما أيدي بعض المسؤولين، وهم في الحقيقة غير مسؤولين، في مياه باردة. هم لا “يأكلون” العصي، بل يكتفون بعدّها. وحده المواطن اللبناني من “يأكل” هذه العصي ويتلقاها على رأسه.
مع بداية هذا العام، وقد آلينا على أنفسنا أن نرى دائمًا النصف الملآن من الكأس، لا نريد أن نزيد همومًا على قلوب الناس المهمومين أصلًا، وهم يسعون وراء رزقهم بشقّ النفس. ولكن الواقع وما فيه من مآسٍ يحتمّ علينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال قبل أن تصبح متحركة وتبتلع الأخضر واليابس.
لن تطمئن نفوس اللبنانيين القلقين على المصير قبل أن تلوح في الأفق بوادر حلحلة في الملف الرئاسي. فانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإن كان لا يملك عصا سحرية، هو بداية الخروج من عنق الزجاجة، وهو خروج لن يكون بالأمر السهل، ولكنه يبقى أفضل بمئة مرّة من البقاء في “شرنقة” المراوحة، مع ما يعنيه ذلك من تآكل مما تبّقى من رصيد السمعة اللبنانية.
فهل هذا يعني أن القبول بأي رئيس هو الحلّ؟ قطعًا لا. لأن انتخاب رئيس للجمهورية “كيف ما كان”، مع ما تعنيه عملية انتقاء مثل هكذا رئيس، لن يكون مدخلًا إلى الحل، بل هو مشكلة ستضاف إلى مشاكل أخرى تتراكم فوق بعضها البعض. الأفضل البقاء في “الفراغ من انتخاب “رئيس تسووي” بالمعنى السلبي للكلمة. فكفى اللبنانيين تسويات على حساب مصلحتهم. وكفاهم “ترقيعات”، وقد رأوا بأم العين ما نتج عنها في السنوات الأخيرة.
وبعيدًا عن أخبار المنجمين والبصارين والعرافين، يعود اللبنانيون، وإن مكرهين، إلى رتابة يومياتهم العادية، وما فيها من شجون وشؤون، ليدخلوا من جديد في دوامة البحث عن حلول لمشاكلهم الكثيرة، سواء على الصعيد العام أو على الصعيد الشخصي.