يصل الوفد القضائي الاوروبي إلى بيروت غدا الاثنين، في مهمة محصورة باستجواب اشخاص تم استجوابهم سابقا لدى القضاء اللبناني بصفة شهود باستثناء شخص واحد سيتم استجوابه بصفة مشتبه فيه. وسوف يستطلع الوفد الذي يأتي من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ، اين اصبحت الاستنابات القضائية الموجودة في الملف الذي يتولاه القاضي زياد ابو حيدر، والذي توقف التحقيق لديه بسبب طلبات الرد التي قدمت في حقه.
تأتي زيارة الوفد الاوروبي إلى لبنان تنفيذا لأحكام اتِّفاقيَّة الأُمم المتحدة لمكافحة الفساد الصّادرةِ عام 2003 والتي صادق عليها لبنان والملزمة للدول الموقعة عليها في مجال تلبية طلبات المساعدة القضائيّة في إطارِ مكافحة الفساد بغرضِ الاستماع إلى إفادات عدد من المسؤولين الماليين في لبنان.وكما اعلن النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات لـ” لبنان 24، فإن الاشخاص المطلوب استجوابهم يبلغ عددهم 15 شخصا وليس بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. والملفات التي سيحقق بها الوفد القضائي تندرج تحت باب الفساد، وهو الملف ذاته الموجود في النيابة العامة الاستئنافية والمتوقف منذ فترة للاسباب التي ذكرتها سابقا.
وتنطبق الاصول القانونية على التدابير المتخذة بشأن زيارة الوفد، فالنيابة العامة وضعت الالية القانونية المناسبة. وتم اشتراط توحيد الاجراءات لعدم تبليغ الاشخاص المعنيين ثلاث مرات، والاستجوابات ستتم في قصر العدل.الوزير السابق سليم جريصاتي يقول لـ”لبنان 24 : عندما اصبح القضاء اللبناني، لاكثر من سبب ، في حالة عجز عن بت ملف يتعلق بهدر مال عام وفساد ،كان من الطبيعي ان يلجأ القضاء الدولي الى الاستنابات القضائية اولا لاستكمال ملفاته. وعندما عجز القضاء اللبناني عن الاستجابة الى الاستنابات القضائية بصورة كافية اضطر القضاء الاجنبي لارسال قضاة اجانب ومحققين لكي يصار الى الاستماع الى الاشخاص الذين يرغبون بالاستماع اليهم لاستكمال ملفاتهم، هذا فضلا عن ان القضاء اللبناني لم يتمكن حتى اليوم من الاستجابة لمطلب اساسي وهو المساهمة في القاء الحجز على الاموال المجمدة في الخارج للبنانيين قائمين بخدمة عامة لا سيما في مركز القرار المالي، اذ ان هناك حصة للبنان في هذه الاموال في حال ثبت انها اموال متأتية عن الفساد.
ويعتبر جريصاتي أن سياسة الافلات من العقاب العدلي لم تعد اليوم قائمة، خاصة في ما يختص بالجرائم العابرة للحدود كجرائم الفساد وجرائم الاموال المنهوبة ، لذلك من الطبيعي ان يأتي وفد قضائي اوروبي الى لبنان، مع اشارته الى ان موضوع السيادة يتم مراعاته من النيابة العامة التمييزية بان يصار الى الاتفاق مع هذه الدول على الاشخاص ومكان الاستماع اليهم والالية بوجود قاض لبناني يوجه الاسئلة وياخد على عاتقه استكمال الملفات، وبالتالي لا شيء يمنع من المواءمة بين السيادة والعدالة.ويقول جريصاتي “انا لا اذم القضاء اللبناني لكن في الوقت نفسه لا يمكن تفهم ان بلدا وقع على المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد واقر قوانين تتصل بالجرائم المالية وتبييض اموال لا يستطيع قضاؤه ان يستجيب لاستنابات قضائية من هذا النوع، ولا يمكن تفهم غياب الادعاء اللبناني على بعض الاشخاص الملاحقين في الخارج”.ويؤكد جريصاتي اهتمامه وتأييده لهذه الزيارة التي يتمنى ان تؤتى ثمارها ضمن شروط السيادة، مشيرا الى ان النيابة العامة التمييزية حرصت ورئيس مجلس القضاء الاعلى سهيل عبود ووزير العدل هنري خوري والمؤثرون من اصحاب الشان العام على ان تاتي هذه الزيارة تنفيذا لمبدأ التعاون الدولي في سبيل احقاق العدالة، مع تشديده على ثقته بقضاء لبنان بالرغم من الكبوة والاعتكاف لا سيما في ملفات حساسة كالجرائم المالية وانفجار مرفأ بيروت. وتبقى المراهنة دائما واجبة،كما يقول جريصاتي، على قضاء لبنان إن أردنا ارساء دولة القانون والمحاسبة.ويقول المدعي العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي لـ”لبنان24″ ان القضاة في لبنان يطبقون القانون الداخلي المنسجم مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد ، علما ان هذه الاتفاقية سمحت للبنان بذلك من منطلق تاكيدها أن المعاهدة الدولية لا تتعارض مع القانون الداخلي.وعليه، لا يمكن لقضاة أجانب أن يحققوا مع الاشخاص المعنيين بدلا عن القضاة المحليين، لان القانون اللبناني لا يتضمن اي نص يسمح لقاضي أجنبي ان يحقق بدلا عنه وهذه قاعدة يتم العمل بها في كل دول العالم وتتصل بالسيادة الوطنية، وفي غياب الاتفاقيات الثنائية بين الدول لا يمكن لقضاة دولة اجنبية ان يحققوا في لبنان . واذا كان هناك معاهدة، على لبنان أن يطبقها وبعد التواصل مع مدعي عام التمييز ،لكن المرجح ان ليس هناك هكذا معاهدة. وعليه لا يمكن للوفد الأوروبي القيام بعمله إلا بعد الحصول على إذن من النائب العام التمييزي.ويضيف ماضي: يمكن ان يكون هناك نوع من التعاون الدولي في الشأن القضائي لكنه يتطلب الإذن القضائي المسبق من النائب العام التمييزي، وعندها يمكن للقضاة الأجانب طرح أسئلتهم بطريقة غير مباشرة عبر قاض لبناني يقوم بالتحقيق في جلسة تعقد بناء على طلبهم، وبالتالي يمكن استدعاء الاشخاص المعنيين بالملف للاستماع اليهم وعندها لا يمكنهم رفض المثول.ويشير ماضي إلى ان لبنان لا يذهب إلى تسليم رعاياه إلى دولة أجنبية ملاحقين فيها، لان محاكمتهم تتم على أراضيه طبقا للقانون اللبناني. فلبنان يحاكم رعاياه في لبنان ولو ارتكبوا جرائمهم خارج لبنان، نظرا إلى نظرية الصلاحية الشخصية، فليس هناك من دولة في العالم تقبل أن تسلم رعاياها إلى دولة أخرى لكي تقوم بمحاكمتهم، خاصة وأن لا اتفاقيات ثنائية بين الدول تنص على ذلك لأن أي إجراء من هذا النوع هو تنازل عن سيادة القضاء الوطني. وعليه، فإن القاضي اللبناني هو من يقرر التوقيف من عدمه، وما سيصدر عن الوفد الاوروبي القضائي سيكون بمثابة تقرير يمكن أن يستفيد منه لبنان إذا تظهر أن هناك أشخاصاً متورطون.ورغم الإقرار المطلق بضرورة مكافحة الفساد وتفعيل التحقيقات القضائية عموماً، بسبب الفساد المتفشي، إلا أن ثمّة تعاون لإجراء التحقيقات القضائية عندما يكون الأمر بين دولتين أو أكثر مع مراعاة المرتكزات الأساسية لسيادة الدولة في القانون المحلي التي يجب إحترامها، كما يؤكد رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص لـ”لبنان24″ . وهذا ما يتوافق مع أحكام المادة /49/ من إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003، والموقّعة من قبل لبنان ،التي تحثّ الدول الأطراف على توقيع إتفاقيات ثنائية ومراعاة مبدأ السيادة المحليّة.ورغم التشجيع على توقيع ما تقدّم من اتفاقيات، ففي حال رغبت دولة أجنبية طرف في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، في إجراء تحقيقات و/أو استجوابات في لبنان، يتوجب عليها، بحسب مرقص، أن تطلب ذلك عبر السلطات اللبنانية المختصة وفق آلية الطلب المحددة في المادة /46/ من الإتفاقية عينها، وهي النيابة العامة التمييزية. ومن السوابق على ذلك قضية رجل الأعمال كارلوس غصن الذي استجوبه القضاء الفرنسي في لبنان وسواها من القضايا كقضية ساركوزي والأموال الافريقية وغيرها من القضايا.ويبقى للدولة متلقية الطلب، كما يقول رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية ،حق رفض تقديم المساعدة القانونية المتبادلة إذا لم يقدم الطلب وفقاً للأصول المفروضة أو إذا رأت الدولة الطرف متلقية الطلب أن تنفيذ هذا الطلب قد يمس بسيادتها أو أمنها أو نظامها العام أو مصالحها الأساسية الأخرى، استناداً إلى الفقرة 21 من المادة 46 عينها. مع الإشارة إلى أنه لو تعلّق الأمر بدول داخل الاتحاد الأوروبي، لكان جاز للقضاة الأوروبيين التحقيق مباشرة في دول الاتحاد وفقًا للأحكام التوجيهية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي عام 2014 في ما خص التحقيق الأوروبي في المسائل الجنائية”، ذلك دون اتباع هذه الإجراءات المسبقة حسب الاتفاقية الدولية المذكورة.اذن الدستور اللبناني يكرّس في مقدمته مبدأ سيادة الدولة اللبنانية”Principe de souverainte de l’etat” وكذلك قانون العقوبات اللبناني بحيث لا تخضع الدولة لأي سلطان الا في ما تتّفق عليه من تعاون قضائي مع دولة أو دول أخرى كما بالنسبة لاتفاقية الأمم المتحدة 186 لمكافحة الفساد وقعت عليها 20 دولة عربيّة بما فيها لبنان والتي رغم أنها تنص على مبدأ احترام السيادة القانونية لكل دولة إلا انها في موادها الأخيرة تنص على إجراءات تعاون قضائي برضى الدول الموقعة من شأنها أن تجيز الاستجواب، يقول مرقص، علماً أن لبنان كان قد وافق على مباشرة التعاون هذا منذ بضعة سنين قبل أن تبلغ الوفود القضائية الأوروبية عزمها المجيء بذاتها إلى لبنان.