كتب صلاح سلام في” اللواء”: تبقى الكهرباء المثل الأوقح والأكثر صخباً لسوء الإدارة. إستلم وزراء التيار العوني حقيبة الطاقة، والبلد «ينعم» بساعات مقبولة من الكهرباء، تتراوح بين ١٤ و٢٠ ساعة في اليوم، وعجز مؤسسة الكهرباء كان تحت السيطرة نسبياً. واليوم يغرق البلد في العتمة الشاملة، وعجز الكهرباء يُقدّر بنصف المديونية العامة تقريباً، ومازال التيار العوني متمسكاً بهذه الوزارة، رافضاً الإعتراف بالعجز والفشل، ورافعاً شعار «ما خلّونا نشتغل»!
أخطر المشاكل التي يعانيها هذا الوطن المعذب، تكمن بتحول سوء الإدارة إلى نهج في السلطة، يرفض أهل الحكم الإعتراف بمساوئه، بل ويصرون على الإستمرار على منواله، ضاربين مصالح البلاد والعباد عرض الحائط. وبواخر الفيول والغاز المنتظرة في عرض البحر لتفريغ حمولتها، تحت طائلة تحميل الخزينة عشرات الآلاف من الدولارات يومياً، لدليل آخر على إدانة المنظومة الحاكمة بسوء الإدارة والفساد، والإستهتار بمصالح البلاد والعباد.
وما يجري اليوم على صعيدي الحكومة ومجلس النواب يبقى مشهداً آخر من مآسي سوء الإدارة السياسية، التي تتبارى الأطراف الحزبية والكتل النيابية في ممارساته الكارثية، حفاظاً على مكاسب شعبوية سخيفة، ضررها الوطني والمستقبلي لم يعد خافياً على أحد.
تعطيل جلسات مجلس الوزراء للبت في الأمور الإستثنائية والعاجلة، دخل ميدان المباريات الفئوية والطائفية، دون طرح أي بديل يلبي حاجات الناس الطارئة، ويساعد على الحفاظ على الحد الأدنى لوجود الدولة.وكذلك الحال في مجلس النواب، فريق يُماطل بإنجاز الإستحقاق الرئاسي بإستخدام الورقة البيضاء، وفريق آخر يرفض الحوار للملمة الصفوف، وتحديد الحد الأدنى من المواصفات أو المقاربات، للتخفيف من أعباء الشغور الرئاسي، وتسريع خطى إنتخاب الرئيس العتيد.ولا بد من الإعتراف بأن «سرطان» سوء الإدارة قد وصل إلى الجسم القضائي، عبر عرقلة وتعطيل التحقيقات في الملفات الساخنة، وفي مقدمتها إنفجار المرفأ. ثم جاء الإعتكاف المديد للقضاة إحتجاجاً على تدني قيمة رواتبهم، ليزيد الهوة تباعداً بين القضاء والأكثرية الساحقة من اللبنانيين، الذين تعطلت أعمالهم وتهددت مصالحهم، بسبب سقوط القضاء في غيبوبة الإعتكاف أكثر من خمسة أشهر.
وفتح تقصير القضاء اللبناني القيام بدوره في زمن الأزمات والفضائح والفساد، أبواب التدخل القضائي الخارجي ببعض الملفات المالية والمصرفية، حيث يصل اليوم الوفد القضائي الأوروبي ليباشر تحقيقات ميدانية مع كبار المسؤولين عن الإدارة المالية والنقدية، وجلاء ملابسات التحويلات المليارية إلى الخارج في بداية إندلاع الأزمة المالية في لبنان.
ومن سخريات القدر أن المتباكين على السيادة، وإستقلال القضاء اللبناني وحصانته من أي تدخل أجنبي هم، بمعظمهم، من الذين تحوم حولهم علامات الإستفهام، والشكوك بأدوارهم المشبوهة إبان المحنة المالية والنقدية التي ضربت البلد.