باستثناء دول الخليج العائمة ماليا، وليس أدلّ الى عومها من انفاق قطر 220 مليار دولار على مباريات كأس العالم لكرة القدم، تقبع مجمل بلدان المنطقة في قعر مستنقع من الازمات المالية الخانقة، وان بنسب متفاوتة.
من تركيا التي رغم حركة سياحتها الناشطة تواجه انهيارا لعملتها مقابل الدولار، الى سوريا المفتقدة كليا للعملة الخضراء فتستعين بتهريب دولارات لبنان الى داخلها ، ما يتسبب بإقرار مسؤولين في البرلمان اللبناني بارتفاع سعر صرف الدولار في لبنان مقابل ليرته، وصولا الى الاردن حيث الغلاء الفاحش والعجز المالي. حتى العراق حيث تعم الفوضى عى رغم توافر المال، تعاني الدولة جراء سوء الادارة والتخبط السياسي، فيما يفقد الجنيه المصري ايضا قيمته مقابل الدولار، ولا لزوم للغوص في شرح الوضع المالي لايران الذي يتفجر ثورات شعبية احتجاجا على سوء الوضع الاقتصادي، الى جانب ثورة الحجاب.
صحيح ان الوضع المالي كما الاقتصادي في لبنان لا يقل سوءا، بيد انه مقارنة مع عصف الازمات السياسية الذي يضربه من كل حدب وصوب، في ظل شغور رئاسي وشبه فراغ حكومي وانحلال اداري ومؤسساتي وانهيار ركائز الدولة، ليس الاسوأ، بحسب ما تقول اوساط مالية لـ”المركزية”.
اذ ان من تتوفر لديه القدرة الشرائية يتمكن من الحصول على كل ما يبتغي فلا شيء مفقودا بالمطلق، حتى ان من يقبض راتبه بالدولار يعيش بمستوى افضل من قبل. وتعتبر ان جوهر الازمة المالية- الاقتصادية سياسي بامتياز.
فمتى استوت اوضاع البلاد سياسيا ينتعش الوضع عموما وتتحرك الدورة الاقتصادية سريعا، فعامل الثقة هو الاساس، اذ حينما كان لبنان يدور خارج فلك المحاور القابضة عليه راهنا، كانت الودائع، لا سيما الخليجية، تتدفق الى خزنته المالية باستمرار .
وتذكّر ان في 23 ايلول 2019، رأس الرئيس ميشال عون في بعبدا اجتماعا حواريا حضره رئيسا المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية ،واستدعي اليه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي وضع المجتمعين في حقيقة الوضعين الاقتصادي والمالي في البلاد، عارضا بالتفصيل مدى خطورتهما، إن لم يتم استعجال الاصلاحات لمواكبة الخطوات الانقاذية مؤكدا جهوزية المصرف المركزي لمواكبة كل خطوات الاصلاح.
وبعيد انتهاء الاجتماع، اعلن الرئيس الحريري المقررات واهمها :اعلان حالة الطوارئ الاقتصادية، الاستمرار في سياسة استقرار سعر صرف الليرة، واقرار اطار مالي متوسط المدى يمتد الى سنوات 2020 و2021 و2022 وخفض عجز الكهرباء.
وقال الرئيس عون آنذاك “ان دقة الظروف الاقتصادية والمالية تتطلب التعالي عن خلافاتنا وعدم تحويل الخلاف في الرأي نزاعا على حساب مصلحة الوطن العليا”.
منذ ذلك الحين، تتابع الاوساط، لم يقدم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الا على تطبيق قرارات السلطة السياسية التي لم تلتزم هي نفسها بما اقرت واعلنت، بل أججت نيران خلافاتها وعرقلت مسيرة الاصلاح، مكبّدة مالية الدولة خسائر بملايين الدولارات.
وليس ما يحصل في ملف بواخر الفيول سوى غيض من فيض سياسات متهورة اعتباطية ينتهجها بعض الآفرقاء السياسيين، لا لشيء سوى للكيدية والانتقام، ففي حساباتهم لا مكان لمصلحة الوطن والمواطن.
وفي معرض تفنيدها حملة التيار الوطني الحر على الحاكم سلامة، تسأل الاوساط عن اعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان الذين عينهم العهد العوني وتياره، وقد غابوا بالكامل عن المشهد وعن الحملة على الحاكم، فلمَ لا يُسمع لهم حس ولا خبر، اذا كانت لهم من مآخذ على اداء سلامة؟ وبعد ، ما هو رأي التيار بعمل هؤلاء وهم يؤيدون سياسة سلامه في ادارة المصرف المركزي؟ وماذا عن رأيه ايضا وايضا في عدم استماع الوفد القضائي الاوروبي للنظر في الجرائم المالية الى الحاكم، علما ان القضاء السويسري لم يشارك في الوفد الذي وصلت طلائعه الى بيروت امس؟ الايام المقبلة كفيلة باظهار الحق، تختم الاوساط ، والحملة الباطلة بمراميها البغيضة لا بد ستتكشف ولو بعد حين.