فيما يتعرض البلد لأقوى عاصفة تهدد مؤسساته وكيانه ونظامه ووجوده، وفيما الأمواج العاتية من الأزمات المعيشية والحياتية تحاصر الناس من كل حدب وصوب، وفيما تتعاطى السلطة مع أهم الاستحقاقات الدستورية بكثير من الاستلشاء والاستخفاف، رحل السيد أو رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، الرجل الوطني حتى العظم والقانوني المحنك والسياسي الآدمي، صاحب الرؤية المستقبلية الثاقبة والاصلاحية، “مرشد الطائف” أو “خازن أسرار الطائف”، من عمل طوال حياته ليرى لبنان الذي أحب، الأهم والأكثر تطوراً بين الدول، وأراد البناء في زمن قلّ فيه البنّاؤون وكثر الهدامون.
أحد أعمدة اتفاق الطائف، رحل بصمت عن عمر يناهز 86 عاماً اثر عارض صحيّ ألمّ به، وسيوارى الثرى في مسقط رأسه شمسطار اليوم، لترجأ الجلسة الرئاسية الحادية عشرة التي كانت مقررة اليوم الى الخميس المقبل بفعل اعلان الحداد العام على مدى ثلاثة أيام. اذ أصدر رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي مذكرة قضت بإعلان “الحداد الرسمي ثلاثة أيام اعتباراً من يوم أمس الأربعاء، وتنكس خلالها الأعلام على الادارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات، كما تعدل البرامج العادية في محطات الاذاعة والتلفزيون بما يتناسب مع الحدث الأليم”.
ونعى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الراحل بالقول: “كبير من كبار لبنان، وقامة وطنية من قاماته التي ما بدلت تبديلاً، نذرت جلّ حياتها دفاعاً عن الوطن وعن إنسانه ووحدة ترابه وهويته الوطنية والقومية، جهاداً متواصلاً بالقول والعمل والكلمة الفصل الطيبة”.
كما نعاه الرئيس ميقاتي الذي أشار في بيان الى أن “لبنان فقد اليوم قامة وطنية ودستورية أصيلة. وبغيابه تطوى صفحة مشرقة من تاريخ العمل السياسي والبرلماني العريق”.
الرئيس سعد الحريري غرّد عبر حسابه على “تويتر”، قائلاً: “رحم الله الرئيس حسين الحسيني، بوفاته يكون لبنان قد خسر رجلاً كبيراً من رجال الطائف لطالما شكل الاعتدال نبراسه، والحوار طريقه والدستور كتابه، وتجديد الوفاق الوطني هدفه”.
شخصيات كثيرة نعت الراحل الكبير، وأخرى تحدثت في تصريحات عن الدور الذي لعبه الرئيس الحسيني في التوصل إلى اتفاق الطائف، ما جعل كثيرين يطلقون عليه لقب “عرّاب الطائف”، هو الذي أبقى العديد من الوثائق والمداولات والمفاوضات الخاصة بالاتفاق في عهدته.
واعتبر أحد السياسيين أن اتفاق الطائف احتاج الى حوار بين النواب، وهذا الحوار احتاج الى نوع من موجّه، ومرشد له، والرئيس الحسيني لعب دوراً أساسياً في عملية توجيه هذا الحوار، واستخراج النقاط الوفاقية المشتركة من أجل التوصل الى ما سمي اتفاق الطائف.
ووصفه أحد كبار الدستوريين بـ “أرزة من أرزات لبنان”، لم يساوم يوماً على المواقف الوطنية، ولا يبيع ويشتري.
كان يريد للبنان أن يكون من أفضل دول العالم.
يستأهل أن يكون له تمثال، لكن هذا لم يحصل لأن الأيام اليوم ليست أيام الاشخاص الذين هم أمثال الرئيس الحسيني الذي كان يريد البناء، أما الطبقة الحاكمة فتريد هدم البناء القائم. الرئيس الحسيني كان يعي من كان يدير البلد، لذلك قرر الاحتفاظ بالوثائق كي لا نقع في تفسيرات تؤدي الى نزاعات واشكالات.
وكلمة من القلب من محامي العائلة وصديقها ثم رفيق الدرب على مدى سنوات وسنوات، الوزير والنائب السابق إدمون رزق الذي اعتبر رحيل الحسيني “نوعاً من الانسلاخ في الحضور الجسدي، لكن هناك استمرارية للذكريات والتقدير والدور التوحيدي الذي أداه في ظروف صعبة.
نفتقده ونترحم على روحه بانتظار لقائه مجدداً حيث لا وجع ولا خوف ولا فراق.
نفتقد اليوم الى رجالات من طينة الراحل الحسيني الذين أدوا أدواراً في مسار تاريخنا انطلاقاً من أصالة انتمائهم الوطني وتخطيهم للفئوية وترفعهم عن التكسبية حيث كانت الأولوية لهؤلاء الذين عاصرناهم وشرّفنا العمل معهم، المصلحة العامة وليس النفعية والوصولية والوجاهة.
المقياس المطلق لأهلية رجل الدولة ما يعطيه لا ما يأخذه ويحصل عليه.
هو ما يبذله وما يضحي به وليس ما يكسبه لأن في النتيجة، الانسان لا يملك الا ما يعطيه.
أما ما يتمسك به من مكاسب فهو يكون عبداً لها وليس سيداً.
أعتبر نفسي اليوم أحد أفراد العائلة الذين يصلون على نية الرئيس الحسيني”.
وبالعودة الى المشهد السياسي المحكوم بالموت البطيء بفعل ارتكابات أركان السلطة وأنانياتهم حيث لا جديد ولا بصيص نور في الأفق بل المزيد من التعطيل والتعقيد والارجاء.
وبعد تأجيل جلسة انتخاب الرئيس التي لا تقدم ولا تؤخر، فإن انعقاد جلسة مجلس الوزراء ملحة وضرورية أقله لتمرير ملف الكهرباء الذي باتت تداعياته كبيرة وتنعكس سلباً اقتصادياً ومعيشياً على اللبنانيين الذين يعيشون في الظلمة الحالكة، ويعانون من انقطاع دائم للمياه عن المنازل بسبب انقطاع التيار عن مؤسسات المياه.
ووجّهت الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعد ظهر أمس، كتاباً الى الوزراء لاطلاعهم على مشروع جدول أعمال الجلسة المقبلة للحكومة، قبل تحديد موعدها، وذلك “بناءً لطلب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتطبيقاً للمادتين 62 و64 من الدستور”.
وأكد ميقاتي أن “لا إمكان لاعطاء سلفة لكهرباء لبنان إلا بمرسوم من مجلس الوزراء ولا يمكن التصرف بعكس ما ينصّ عليه قانون المحاسبة العمومية.
لذلك، ستُعقد جلسة لمجلس الوزراء.
وفي وقت استُكمل وضع مشروع جدول أعمالها لكنها ستتأخر إلى مطلع الأسبوع المقبل لاعتبارات اجتماعية استجدّت في الساعات الماضية وحتّمت الإرجاء.
لن أسأل من يمكن أن يحضر الجلسة أو يتغيب عن حضورها بل سأعقدها، تشاورت مع البعض في هذا الخصوص، وليتحمل جميع الوزراء مسؤولياتهم”.
مصادر رئيس الحكومة لفتت أن الرئيس ميقاتي سيدعو الى جلسة عاجلاً أم آجلاً، وليس مستبعداً أن تكون في بداية الأسبوع المقبل حتى لو لم يكتمل نصابها لأنه لا يريد أن يتحمل مسؤولية عدم الانعقاد وتداعياته وحده خصوصاً في الكهرباء.
أما بالنسبة الى موقف “حزب الله” من الجلسة، فلا يمكن تحديد موقف نهائي لأن الأمور لا تزال في مرحلة التشاور. عنوان المرحلة التريث والمزيد من التشاور بسبب الاحتقان والاصطدام.