انتهى وقت المزح، وبدأ وقت الجدّ. ولم يعد هذا الوقت يسمح للمعطّلين التمادي في اعتماد سياسة “عنزة ولو طارت”. فجلسة مجلس الوزراء، التي سيدعو إليها الرئيس نجيب ميقاتي الأسبوع المقبل ،وفق الأصول الدستورية، قد أصبحت حاجة أكثر من ضرورية وملحة. فلا مجال لإقرار سلفة خزينة لتأمين مادة الفيول لتشغيل معامل الكهرباء، وتأمين الحدّ الأدنى من ساعات التغذية، إلاّ بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء. وخلاف ذلك يعني المزيد من العتمة.
فإذا كانت الدعوة إلى جلسة طارئة وضرورية لمجلس الوزراء لتسيير أمور الناس هو تعدٍ على صلاحيات رئيس الجمهورية، فماذا يُقال عن الذين يعطّلون انتخاب رئيس جديد؟ ومن يكون يضرب هذه الصلاحية؟ هل هو من يريد أن يخفّف عن الناس أحمالهم الثقيلة، أم ذاك الذي يعمل بطريقة أو بأخرى على إضافة على هذه الأحمال أثقالًا جديدة؟
أسئلة بريئة يطرحها كل مواطن اليوم، الذي لا همّ لديه سوى الهمّ المعيشي. فهو يريد أن يسير مع من يؤكله عنبًا لا مع من يقتل الناطور أولًا. فالذين يريدون قتل الناطور، وإن معنويًا، كثر؛ ومن بينهم جميع الوزراء الذين ينصاعون لتوجيهات موحى بها، وهم غير مقتنعين بها، ويرفضون عقد أي جلسة لتسيير شؤون الناس، وهم باسم هؤلاء الناس موجودون حيث هم. ومن دون شرعية هؤلاء الناس يفقدون أي صفة رسمية.
على وزراء “التيار الوطني الحر” أن ينزلوا إلى السراي الحكومي ويشاركوا في الجلسة، التي سيُدعون إليها، بعدما وجهت إليهم الأمانة العامة لمجلس الوزراء جدول أعمال الجلسة المقبلة لإبداء رأيهم، باعتبارهم جزءًا مكمّلًا لوزراء آخرين في وكالتهم الدستورية الممنوحة إليهم بواسطتها صلاحيات رئيس الجمهورية الخالية سدّته حاليًا.
على هؤلاء الوزراء الحزبيين أن يحضروا “جلسة الكهرباء بامتياز” قبل غيرهم، خصوصًا أنهم ينتمون إلى تيار سياسي تولى وزراؤه على مدى أكثر من عشر سنوات مسؤولية وزارة الطاقة. فهم المسؤولون، بطريقة أو بأخرى، عن طاقة مغيّبة، وعن كهرباء غير متوافرة، وعن خطط لم تبصر النور لأسباب باتت واضحة ومكشوفة.
على هؤلاء الوزراء أن يحضروا هذه الجلسة قبل غيرهم أقّله ليدافعوا عن أنفسهم، وليثبتوا للرأي العام عدم صوابية ما يُتهمون به، وما يُلصق بهم من اتهامات وافتراءات، كما يشكون دوما على قاعدة” ما خلّونا”.
وبما أن الجلسة بنصاب الثلثين، وربما بأكثر من الثلثين هذه المرّة، ستقعد “فيهم أو بلاهم”، وفقًا للأصول الدستورية، التي لا غبار عليها، فمن الأجدى بهم أن يكونوا مشاركين في قراراتها، وفي ما يمكن أن يتخذ من خطوات عملية تصّب في مصلحة المواطن قبل أي شيء آخر. وبذلك يحفظون ماء الوجه، من دون أن تعفيهم هذه المشاركة من مسؤولية العمل على تسريع الخطى لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهي مسؤولية يتحمّلها “التيار الوطني الحر” قبل غيره، لأنه يدّعي بأنه “أم الصبي”، وبأنه حريص أكثر من غيره على صلاحيات رئيس الجمهورية وعلى موقعه في هرمية تسلسل المسؤوليات.