قالت “الأخبار” انه قبل خمس سنوات، لجأت شركة الطيران الشرق الأوسط إلى الصيادين ليخلّصوها من الطيور التي تتجمّع حول مطمر الكوستا برافا ومصبّ نهر الغدير، مهدّدة سلامة الطيران. وها هي اليوم تعيد الكرّة، مطالبة بالسماح لها مجدداً بالاستعانة بالصيادين، في وقت لم تقم فيه الدولة بأيّ جهد لمعالجة مختلفة للقضية. بل على العكس، يتسبّب تراخيها وإهمالها المزمنان بازدياد المخاطر التي يشكلّها البشر على الطيران المدني، لا الطيور، إذا أضفنا إلى المكب والمصبّ، هواة تربية الحمام
يرتفع الخطر على الطيران المدني هذه الأيام بسبب تزايد أعداد الطيور حول مطار بيروت الدولي، سيّما تلك الكبيرة في الحجم وصاحبة العظام القاسية كالنوارس. يوضح مهندس طيران أن هذا النوع من الطيور «يُعتبر عدواً لمحرّكات الطائرات التي تشفط الهواء المحيط بها بقوة ساحقة، وتواجد أيّ طير في محيطها الحيوي سيودي به إلى داخل المحرّك، وهكذا مشكلة تؤدّي إلى سلسلة أحداث كارثية لأنّها تتسبّب بتكسير عنفات المحركات وبالتالي تدميرها». ويشرح أنّه «على الرغم من وزن الطائر الصغير مقارنة بالطائرة، إلا أنّ الاصطدام يحدث على سرعة عالية، أثناء هبوط الطائرات أو إقلاعها، ما يجعل جسم طائر بوزن 5 كيلوغرامات موازياً لقذيفة حديدية».
إلا أنّ هذه الحوادث ليست غريبة عالمياً، بحسب تقارير منظمة الطيران المدني الدولي «إيكاو»، إذ تُسجّل أكثر من 16 ألف حادثة اصطدام بين الطيور والطائرات سنوياً، و«تحتل طيور النورس المرتبة الثانية في التسبّب بهذه الأحداث بنسبة 22% بعد البط والإوز»، كما أنّ التقارير العالمية تتكلّم عن أنواع مختلفة من الطيور، تتعدّد بحسب البيئة المحيطة والأنواع المستوطنة وطرق الهجرة.طيور المطارمنذ مدّة تُسجّل أحداث اصطدام الطيور بأجسام الطائرات في مطار بيروت، وفقاً لعاملين على أرض مدارج المطار الذين يلاحظون وجود طيور ميّتة نتيجة اصطدامها بأجسام الطائرات، وهذا ما تظهره أيضاً صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن حتى اللحظة «لا تزال الأمور في المسار السليم». ولكي تبقى كذلك، تتسابق الخطوات لحلّ هذه المشكلة القديمة- الجديدة، بين من يطالب بالتخلّص من الطيور عبر قتلها، وبين من يفكر بطرق لإبعادها. فقد طلبت الجهات المعنيّة بالطيران المدني، التي لم ترد على اتصالات «الأخبار» المتكرّرة، من وزارة الداخلية استدعاء الصيادين للتخلّص من الطيور، ما يعني استعادةً لصور مجزرة الطيور التي تمت عام 2017، فيما تبذل وزارة البيئة بالتعاون مع ناشطين بيئيين جهوداً بهدف إيجاد سبل جديدة لإبعاد الطيور، لا قتلها.
كلام علمي
في لبنان، بحسب تقرير أعدّه البروفيسور غسان جرادي، المتخصّص في علم الطيور وبيئاتها، بناءً على مسح ميداني لمحيط المطار، لصالح وزارة البيئة بعد مجزرة عام 2017، تظهر المشكلة في تصرّفات أجهزة الدولة المختلفة لا الطيور، إذ يذكر التقرير وجود منطقتين خارج أسوار المطار جاذبتين للطيور هما مصبّ نهر الغدير ومطمر الكوستا برافا. في هاتين المنطقتين هناك 15 نوعاً من الطيور (أغلبها نوارس)، وهي إمّا عابرة (مهاجرة) أو تقضي فصل الشّتاء فقط في لبنان، وترحل في شهر آذار. ومن بين هذه الأنواع هناك طائر واحد قد يشكّل خطراً على حركة الطيران وهو النورس الضاحك، أو النورس الأسود الرأس الأكثر عدداً، والمنتشر على طول الشاطئ اللبناني بأعداد تناهز العشرة آلاف.يعيد جرادي في اتصال مع «الأخبار»، ما يؤكّد عليه في الدراسة «قتل الطيور لا يفيد بل يبعدها لأيام فقط، وعمليات الصيد لا تنفع، لأنّ الطيور تملأ الفراغ وتتكاثر مجدداً». وبعد إعادة تعداد المخاطر المحيطة بالمطار يشير جرادي إلى أمر آخر يتمثل بـ«إمكانية وجود حفر ماء قرب المدارج تجذب الطيور خلال فصل الشتاء، إذ تتجمّع فيها مياه الأمطار غير المالحة، والصالحة للشرب، التي تحتاج إليها هذه الحيوانات، الأمر الذي يجعل من الحفر أماكن تجمّع للنوارس». كما تشير الدراسة إلى «أنّ بعض هذه الطيور محميّ باتفاقية أيوا AEWA الخاصة بالطيور المائية المهاجرة، التي انضمّ لبنان إليها في عام 2002».تراكم المخاطرمستعيناً بنتائج تقرير البروفيسور جرادي، يؤكّد وزير البيئة ناصر ياسين على الأمر ذاته، ويشير إلى «أنّ الحل البيئي لا يزال قابلاً للتطبيق، إذ إنّ وضع آلات تصدر أصواتاً تخيف الطيور معتمدة عالمياً لإبعادها، مع تحديث هذه الأصوات دورياً كي لا تعتاد الطيور عليها». ثمّ يذكر مشكلةً مستجدةً أكثر خطورة تتمثل بـ«مربّي الحمام في المنطقة المحيطة بالمطار»، التي تشمل العمروسية في الشويفات وصولاً إلى الأوزاعي في بيروت، حيث «تدخل رفوف الحمام إلى حرم المطار من هذه المناطق، وقد يشرد بعض هذه الطيور ويبني أعشاشاً بين حظائر الطائرات». ويشير ياسين إلى أنّ «الحل يتطلّب أيضاً التنسيق مع البلديات المحيطة».وفي ما يتعلّق بالنوارس والطيور البحرية، يشير ياسين إلى «ضرورة معالجة الأسباب لا النتائج، ومنها مصبّ نهر الغدير فالمشكلة لن تُحلّ قريباً ما لم توضع خطة إنقاذ لنهر الغدير»، الذي يرى فيه ياسين «مشكلةً أكبر من مطمر الكوستا برافا». ويؤكّد أنّ الحلّ يبدأ بـ«التنسيق بين وزارات الأشغال والبيئة والداخلية».لا ترى مصادر وزارة الأشغال «مسؤوليةً للوزارة في معالجة مشكلة الطيور الشّاردة حول المطار، وتضع الأمر في عهدة البلديات ووزارة الداخلية». وفي ما يتعلّق بمجاري الأنهر فتشير المصادر إلى «أنّها من مسؤولية وزارة الطاقة».البلديات للمساندةبدوره، ينفي رئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد درغام مسؤولية الاتحاد عن تشغيل مطمر الكوستا برافا وإدارته، فهو بالكامل تحت إدارة مجلس الإنماء والإعمار «علماً أنّه مجهّز أصلاً بمكبّرات صوت لا تسمح بتجمّع الطيور حوله». وفي ما يخصّ الطيور، يروي درغام مشاهدات العمال «الذين يرونها على مصبّ نهر الغدير».منطقتان جاذبتان للطيور هما مصبّ نهر الغدير ومطمر الكوستا برافاأما زياد حيدر، رئيس بلدية الشويفات، التي يقع ضمن أراضيها مطمر الكوستا برافا ومصب نهر الغدير وجزء من أرض المطار، فيؤكّد «قدرة البلدية على مساندة وزارة الداخلية في حلّ مشكلة مربّي الحمام، لكن لا يمكنها أن تتصرّف وحدها»، إذ إنّ البلدية «لا تسنّ القوانين بل تطبقها، أو تواكب تطبيقها». يشير حيدر إلى «لجوء البلدية إلى جهة سياسيّة لرفع الغطاء عن مربّي حمام، ومنعه من إفلات رفوف الطيور قرب أسوار المطار»، كي يصل إلى فكرة مفادها «تقلّص سلطة البلديات بسبب وجود محميات سياسية»، وبالتالي «تفقد قدرتها على التحرّك وفرض القوانين». وللتأكيد على فكرته يستشهد حيدر بـ«رفض بلدية الشويفات إعادة تشغيل مطمر الكوستا برافا، ولكنّه يعمل، والنفايات تطمر فيه على عيبها بدون فرز»، ويذكر «وجود كميّات منها يسحبها موج البحر». وفي سياق آخر، يشتكي من «عدم تحصيل القيمة الحقيقية لرسوم البلدية الخاصة بالمطار، فالمستثمرون يقبضونها من الرّكاب بالدولارات الطازجة، ويدفعون للبلدية مستحقاتها على الـ1500».الثقب الأسود«لبنان دولة تعمل على ردّات الفعل فقط، وسماؤها وفق الصحافة البيئية الأوروبية تشكّل ثقباً أسودَ يسحب الطيور»، وفق الناشطة البيئية غنى نحفاوي، التي تسأل عن ما قامت به الأجهزة منذ مجزرة عام 2017 حتى اليوم، لتصل إلى الاستنتاج بـ«لا شيء». وتعدّد نحفاوي الكثير من الحلول التي يمكن استخدامها قبل الوصول إلى البنادق مثل «آلات إطلاق أصوات الطيور الجارحة، أصوات المفرقعات الصادرة عن مدافع غاز، طائرات مسيّرة على هيئة طيور جارحة». وتشير نحفاوي إلى «ضرورة التوجه نحو أسباب المشكلة لا نتائجها، فرائحة المسالخ وبقاياها المرمية في نهر الغدير والمكبّات المحيطة بالمطار ستجذب الطيور من آخر الدنيا»، وتعيد التأكيد على ضرورة معالجة مشكلة «كشّاشي الحمام، الذين لا يقدر عليهم أحد»، وتذكر بأنّ «كل رفّ حمام مكوّن من 40 إلى 200 طير، وهي تشكّل الخطر الأكبر».(الاخبار)