من قرأ بيان الهيئة السياسية لـ “التيّار الوطنيّ الحرّ” بعد اجتماعها الدوري، الذي امتدّ لساعات طويلة، اعتقد للوهلة الأولى أن الاستحقاق الرئاسي، الذي تم بحثه على أساس “الأفكار لبرنامج يستند الى ورقة الأولويات الرئاسية ويتمّ التفاهم حوله ليؤمّن نجاح العهد”، يجري في سويسرا وليس في لبنان، الذي يعاني ما يعانيه نتيجة السياسات الخاطئة، التي اعتمدت في آخر ثلاث سنوات من عهد الرئيس السابق ميشال عون، والذي كان فيه السيد جبران باسيل رمزًا أساسيًا من رموزه.
وفي المعلومات المتداولة أن الأسماء الممكنة لترشيحها، والتي تمّ تناولها في اجتماع “البياضة”، وليس في “ميرنا الشالوحي”، لم يحظَ أي منها بموافقة جماعية، بل كان ثمة ملاحظات على كل اسم باسمه، حيث استغرب البعض عدم طرح اسم مرشح ينتمي إلى “التيار”، خصوصًا أن ثمة أسماء كثيرة تنطبق عليها المواصفات، التي تنطبق على “مجموعة من الأسماء الصديقة والمعروفة بصفات تؤهلها للسير بهذا البرنامج، وتأمين التوافق المطلوب حول أحدها لتأمين وصوله الى سدّة الرئاسة.”
وتلافيًا لأي تصدّع في المواقف داخل “التيار” طُلب اعتماد الآلية نفسها التي تُتبع في عملية الترشح للانتخابات النيابية، بحيث يصار إلى تقديم كل من يجد نفسه مؤهلًا لهذا المنصب سيرته الذاتية إلى لجنة الانتخابات، التي تدرس كل طلب على حدة، وترفعه بالتالي إلى الهيئة السياسية، التي تجوجل الأسماء، وتدرس إمكانات تفاضلها على غيرها من “الأسماء الصديقة” المقترحة، وإذا ما كان في إمكانها ضمان موافقة “قوى أخرى” لتوفير النجاح اللازم لها”.
وقد تعمّد واضعو البيان ترك تعبير “قوى أخرى” غامضًا وغير محدّد، وذلك تلافيًا لأي احراج لهذه القوى، التي لا تزال الاتصالات معها تجري من تحت الطاولة، خصوصًا أن “حزب الله” أبلغ جميع من يعنيهم الأمر أن مرشحه الضمني حتى هذه الساعة هو رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، وأن موقفه المبدئي هذا ثابت ولم يتغيّر ما لم يطرأ أي جديد، وما لم يعلن فرنجية بنفسه انسحابه من “المعركة الرئاسية، وهو بحسب المعلومات، لن يفعل، بل مستمر في ترشيحه، وإن لم يعلن ذلك رسميًا، باعتبار أن الدستور لم يلحظ “شرطية” اعلان الترشح إلى منصب رئاسة الجمهورية.
وكما هو موقف “حزب الله”، كذلك هو موقف الرئيس نبيه بري المتمسك بترشيح فرنجية بكلتا يديه، وهو واضح في هذا الموقف الذي يجاهر به “على رأس السطح”.
أمّا في المقلب الآخر، أي في المحور الذي يضم “القوات اللبنانية” وكتلة “اللقاء الديمقراطي” وكتلة حزب “الكتائب اللبنانية” وكتلة “التجدد الوطني”، وعدد من النواب “التغييريين” والمستقلين، فإن مرشحهم لا يزال النائب ميشال معوض، وحتى اشعار آخر.
فعن أي “قوى أخرى” يتحدّث بيان “التيار”، ومن بقي من هذه القوى في الساحة السياسية، باستثناء نوابه الـ 18، مع نائبي حزب “الطاشناق”؟
فإذا كان من بين الأسماء، التي يقترحها “التيار”، والتي لم يعلن عنها بعد، وإن كانت معروفة، من يستطيع أن يكون عابرًا للطوائف والأحزاب، وإذا كان في امكان “التيار” فرضه كأمر واقع وكبديل عن الأسماء الأخرى كفرنجية ومعوض وحتى قائد الجيش العماد جوزاف عون، فلماذا لا يبادر إلى طرحه اليوم قبل الغد، ولماذا هذه المماطلة؟
فإذا سمّى “التيار الوطني الحر” اسمًا من بين هذه الأسماء المقترحة، والتي يرى فيها المواصفات المناسبة، فيكون قد زاد على المرشحين المتنافسين على الرئاسة اسمًا جديدا، وهكذا تكون مروحة الأسماء المرشحة قد اكتملت بعد أن يكون “حزب الله” قد تبنّى علنًا ترشيح فرنجية.
وعند اكتمال المشهدية الانتخابية، مع مرشحين مستقلين آخرين قد يلجأ إليها النواب “التغييريون” غير اسم الدكتور عصام خليفة، فلينزل نواب الأمّة إلى “ساحة النجمة”، وليمارسوا عملهم الديمقراطي كما يفرضه الدستور، وليفز من يستطيع أن يستقطب 65 صوتًا في الدورة الثانية بعد الدورة الأولى، وبنصاب الثلثين.
وهكذا يكون “التيار” قد ساهم في انهاء حال “الفراغ”، بدلًا من أن يكون رأس حرب تعطيلية في كل شيء، وآخر ممارساته التعطيلية محاولة تفخيخ جلسة مجلس الوزراء المخصصة لمعالجة قضايا الناس، وليس قضايا تخصّ رئيس الحكومة أو الوزراء، الذين سيلبون دعوة الرئيس ميقاتي الى الاجتماع.