كتب ناصر زيدان في “الأنباء” الكويتية: الأحداث الأمنية والتداعيات القضائية التي حصلت في لبنان في الأيام القليلة الماضية، أثارت مخاوف من وجود نوايا مبيتة لتفجير الوضع بعد أن وصل الاختناق المالي والانسداد السياسي إلى مستوى مؤلم لا يطاق. والهجمات التي استهدفت الجيش وقوى الأمن الداخلي في أكثر من مكان، كانت لافتة في توقيتها، وفي نوعيتها، لاسيما إلقاء القنابل على دوريات الجيش في بعلبك وفي حي السلم في الضاحية الجنوبية وفي بلدة تل عباس في عكار، والتهجم على دوريات قوى الأمن الداخلي في بلدة كفر قاهل في الكورة إبان قيامهم بواجبهم في قمع مخالفات بناء على الأملاك العامة.
وترافق مع هذه الأحداث حراك غير بريء لمجموعات أو أفراد أطلقت ألفاظا طائفية وكتبت شعارات مسيئة على حيطان منازل في قرى حساسة في الجبل وفي غير الجبل بهدف إثارة النعرات، وقامت دراجات نارية باعتراض بعض السيارات بهدف الابتزاز أو للسرقة، واحيانا لتهديد أشخاص لأسباب سياسية.
نجح الجيش كما قوى الأمن الداخلي في توقيف المعتدين، ومنهم تجار مخدرات وسارقو سيارات، ومثيرو شغب، من دون أن تعلن أي جهة سياسية وقوفها إلى جانب هؤلاء. لكن ذلك لا يعني عدم وجود نوايا جرمية لدى جهات مدفوعة لاستغلال الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد لإحداث فوضى أمنية لا يمكن التكهن بخطورة نتائجها.
يقول مصدر واسع الاطلاع: ان أطرافا عديدة فاعلة لديها مصلحة بإحداث فوضى هروبا من استحقاقات داهمة قد تطالها، ومن هذه الاستحقاقات: قدوم الوفد القضائي الأوروبي للمشاركة في تحقيقات جنائية مع شخصيات مالية منها من لديه ارتباطات سياسية، وكذلك التطورات البارزة التي حصلت على مستوى التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت في الداخل وفي الخارج، إضافة الى الحشرة الكبيرة التي يعاني منها معرقلو انتخابات رئاسة الجمهورية، لأن تبريرات مواقفهم التعطيلية لم تعد مقنعة لأحد.ويبدو أن تطورات تحصل على الساحة السورية، لها انعكاساتها على لبنان، وأبرزها الاختناق المالي الذي يؤثر على نقص السلع الاستهلاكية الأساسية، ومنها المحروقات والطحين، مما جعل من لبنان المنفذ الأهم للتهريب ولتغطية العجز في الأسواق السورية، وقد أدى ذلك إلى تفلت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، حيث وصلت قيمة الدولار الواحد إلى حدود 50 ألف ليرة بسبب زيادة الطلب على العملة الصعبة التي تستخدم لاستيراد السلع للبلدين. وهذا الوضع أرخى بظلال قاتمة على المواطنين، ومنهم كثيرون لم يعد بمقدورهم تأمين لقمة العيش لأولادهم، مما أدى إلى زيادة السرقات وخروج عن النظام في بعض شوارع بيروت وذلك أنهك قدرات القوى الأمنية التي تعاني من صعوبات مالية ولوجستية كبيرة.
غياب الاهتمام الخارجي بالوضع في لبنان، كشف البلد أكثر فأكثر، وشجع بعض الأطراف التي تملك أجندة خاصة على التمادي في فرض إرادتها على مؤسسات الدول الأساسية، كمجلس الوزراء والجيش والقضاء، وهي تحاول منع تصريف الأعمال الحكومية التي تهم صحة المواطنين وأمنهم الاجتماعي وتأمين الكهرباء الغائبة بالمطلق. وقد ساهمت الفوضى التي أحدثتها بعض الخطوات القضائية الانتقائية في حالة الغليان، لاسيما منها ملاحقات القاضية غادة عون التي أخذت طابعا سياسيا واضحا، كذلك التعامل الخشن مع تحركات ذوي ضحايا تفجير مرفأ بيروت، برغم أنهم يطالبون بتحقيق العدالة وبالاقتصاص من مسببي الكارثة لا أكثر ولا أقل.خوف اللبنانيون بغالبيتهم الساحقة من الانجرار إلى فتنة جديدة، هي الرادع الأساسي لعدم انزلاق البلاد إلى مهالك أمنية، ولا يوجد بيئة شعبية حاضنة للمجموعات المتهورة، كما أن الجيش والقوى الأمنية لديهم القرار الصارم بعدم السماح لأي تفلت أمني مهما كانت التحديات التي تواجههم قاسية.