لا يخفى على احدٍ ان البطريركية المارونية بما تمثل وبمَن تمثل أصبح لديها هواجسها المشروعة في ما يتعلق بالموقع المارونيّ الأول في لبنان، وهذه الهواجس ليست بجديدة، انما تعود لمرحلة ما قبل انتخاب الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، وذلك بسبب الفراغ الذي سبق انتخابه والذي شكلّ علامة فارقة وسلبية في مسار الانتخابات الرئاسية في لبنان بعد “الطائف”.
ومن الطبيعيّ ان تتفاقم هواجس بكركي في هذا المجال، اذ ان فراغ ما قبل انتخاب الرئيس سليمان، تحوّل على ما يبدو الى قاعدة ثابتة من حيث المضمون ومتحركة من حيث الزمن، فأمام كل استحقاق رئاسيّ جديد تطول مدة الشغور وتتسع، ما يؤدي الى طرح علامات الاستفهام حول الدستور والوجود والكيان ولبنان بشكله الحاليّ المتعارف عليه.وفي هذا الاطار، قد يكون رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من أكثر الحريصين على طمأنة بكركي والمسيحيين، إذ أنه لا يترك مناسبة الا ويردد فيها ان هدف حكومته هو تسيير شؤون المواطنين، لا العمل على تحدي أي طرف آخر ، وهذا ما أشار إليه في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في الامس قائلا: ” إن الحكومة الحالية،من موقعها الدستوري كحكومة تصريف اعمال، ليست في وارد الحلول مكان رئيس الجمهورية أو إعتبار ان البلد يمكن أن يستمر من دون رئيس”.امام هذا الواقع، تبدو ردات فعل بكركي خير معبّر عن مدى الانزعاج الذي تعيشه ومن خلفها المسيحيين كما كل المواطنين، فالبطريركية المارونية وعبر التاريخ حاولت ان تبقى مترفعة عن الدخول بتفاصيل الحياة السياسية اليومية، وهذا ما مارسته في مختلف المراحل الطبيعية التي مرّ فيها لبنان، لكن عند كل منعطف كانت تدخل البطريركية بكل ما اوتيت من قوة ومن ايمان بلبنان في تفاصيل مختلف النقاط السياسية العالقة.
وهذا ما حصل تماما في الايام الأخيرة، اذ ان البطريركية وبسبب انزعاجها الكبير كما بسبب التفلت الكبير الحاصل في صفوف القيادات المارونية، اضطرت ان تتدخل مباشرة في قضية استدعاء وليام نون الى التحقيق وتوقيفه.
وفي هذا المجال وبغض النظر عما اذا كانت بكركي محقة في تدخلها او غير محقة، لا بد من استعراض الاسباب الفعلية التي خلقت في اروقتها هذا الكم الكبير من الانزعاج وعدم الراحة.
في هذا الاطار، يقول مصدر متابع لـ “لبنان 24″ ان ” بكركي تعلم تماما ان (دود الخل منو وفيه)، اي انها في قرارة نفسها تدرك ان الاشكالية هي في بعض القادة المسيحيين الذين باتوا يبحثون في هذا اللبنان الكبير، عما يرضي مصالحهم ويجيب عن طموحاتهم فقط لا غير، ولأجل هذه الغاية يذهبون بعيداً كثيرا في التقلب يميناً ويساراً وفي مهاجمة كل من يقف بوجه مشاريعهم البعيدة كل البعد عن الانفتاح والحوار والتواصل مع الآخر الشريك في هذا الوطن”.
ويضيف المرجع ” ما قبل حدوث الشغور الرئاسي، سئل البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن رأيه في امكانية وصول رئيس (تيار المرده) سليمان فرنجيه الى سدة الرئاسة الاولى، فأجاب غير ممانع وغير معترض.وفي مرحلة ما قبل انتخاب الرئيس ميشال عون، جمعت بكركي القادة الموارنة سمير جعجع، ميشال عون، سامي الجميل وسليمان فرنجيه، فاعترفت بحضورهم، واعترفوا بدورهم بحضور كل فرد منهم وبعدم ممانعتهم وصول اي احد منهم الى قصر بعبدا.
وفي هذا السياق، تبدو بكركي الوحيدة من بين بعض القادة الموارنة المتصالحة مع موقفها من فرنجيه ومن امكانية انتخابه رئيساً للجمهورية، فالراعي وبعد انتهاء عهد الرئيس عون جدد عدم اعتراضه على انتخاب فرنجيه، اما الباقون فيجددون في كل يوم لغة الصراع الداخلي وغير الداخلي”.ويرى المرجع ان “ما ظهر لافتا مؤخرا هو ما جاء في بيان المطارنة الموارنة الذين قالوا في الامس وفي النقطة الثالثة من البيان الذي تمّ نشره في الاعلام انهم (يُبدون تخوُّفهم من ترحيل انتخابِ رئيسٍ جديد للبلاد إلى أمدٍ لا يعرفه أحد، ولا يجلب على اللبنانيين سوى مزيدٍ من المُعاناة. ويُكرِّرون مطالبتهم المجلس النيابي بتحمُّل مسؤولياته على هذا الصعيد، والمُسارَعة إلى بت هذا الاستحقاق الدستوري الأساسيّ، درءً لمزيدٍ من التدهور والإنهيار).
وفي هذه النقطة، ما يجب التوقف عنده هو ليس تخوّف الآباء المطارنة اذ انه بات معروفاً ومعلوماً، انما دعوتهم مجلس النواب الى يتحمّل مسؤولياته في الاستحقاق الرئاسي، وهذه الدعوة التي لا تشوبها اي شائبة والتي تأتي من ضمن طبيعة الدستور اللبناني، تقابلها دعوة اخرى تأتي من ضمن الاطار الطبيعي للنظام اللبناني، متمثلة في توجيه السؤال الى بكركي نفسها حول ضرورة تحملها المزيد من المسؤوليات والاتجاه الى خطوات عملية تساهم في فتح بصيرة القادة الموارنة وابعادهم عن مصالحهم الضيقة وبالتالي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبناينة.