يهوى النائب جبران باسيل المعارك والخصومات السياسية الى أقصى الحدود، وفي الغالب من دون أسباب موجبة، مستعيرا من الادب الاسباني شخصية دون كيشوت صاحب القول الشهير “لقد وُلدت في هذا العصر الحديدي لكي أبعث العصرَ الذهبي”.
فبعد معاركه “الناجحة” في تأمين الكهرباء 24 ساعة على 24، كما وعد اللبنانيين عندما افتتح “العهد العوني المستمر حتى الساعة” في وزارة الطاقة، وفي استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية خلال “عهد عون القوي” وفي اعادة حقوق المسيحيين في كل المجالات وفي محاربة الفساد والمنظومة الحاكمة…، بعد كل هذه المعارك “المظفرة” لم يبق أمام باسيل الا العودة مجددا لفتح المعركة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في استعادة لكل معارك “تياره” مع جميع رؤساء الحكومات.
لم يتبق له سوى عنوان “الميثاقية” التي يلعبها إلى الحد الأقصى. فقبل الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء قال باسيل “مرة جديدة تنحر المنظومة الحاكمة الميثاق والدستور، وتختلق حجة لتعقد جلسة مجلس الوزراء، وهذه المرة من أجل الكهرباء، في وقت توجد حلول دستورية من دون عقد جلسة، عبر توقيع مراسيم جوّالة من مجموع مجلس الوزراء كما ينصّ الدستور”.
واعتبر باسيل أنّ “الإمعان بالكذب بخرق الدستور والميثاق وإسقاط الشراكة سيعمّق الشرخ الوطني، وسيأخذنا أبعد بكثير من ضرب التوازنات والتفاهمات”.
في مقابل هذا التهويل الباسيلي ما الذي جرى؟ انعقدت الجلسة الحكومية الثانية بحضور 17 وزيراً من ضمنهم وزيرا حزب الله ومشاركة وزيرين لم يحضرا الجلسة الأولى، هما أمين سلام ووليد نصار وتغيب 6 وزراء فقط. وكان اللافت حضور 7 وزراء مسيحيين من أصل 12 وزيرا، اي ان “الميثاقية” كانت متوافرة، اذا سلمنا بالمنطق الباسيلي.
لكن لـ “التيار الوطني الحر” نظرية اخرى لا يخجل من تعميمها مباشرة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي مفادها” مش كل واحد صلّب ايدو ع وجو صار مسيحي”، اي أن هناك تمييزا حتى بين المسيحيين أنفسهم.
وهذا المنطق عبّر عنه باسيل شخصيا بتصريح بتاريخ 6 كانون الاول الفائت قال فيه: “وقفنا معهم سنتين في الشارع ايام الحكومة التي سميت بالبتراء… فهل تصبح الحكومة اليوم ميثاقية بوجود سعادة الشامي ونجلا رياشي؟ الشراكة عندما تنكسر تصبح عرجاء: سواء كانت وطنية ام حزبية”.
بالتزامن مع “ميثاقية” باسيل، كان الموقف المستغرب لمجلس المطارنة الموارنة، في انسجام تام مع المنطق البرتقالي في “كشف الغطاء المسيحي” عن الحكومة. وقد خُيّل للبعض لدى قراءة ما ورد في بيان المطارنة الموارنة في الشق المتعلق بجلسات مجلس الوزراء، ان السادة المطارنة، تخلوا لفترة عن متابعة شؤون الرعية، وإختلوا بانفسهم بين “منشورات دالوز” الحقوقية لاستنباط هذا “التفسير الدستوري”، مع ما يحمله من خطورة اهمها فتح الباب أمام سجالات سياسية وطائفية وربما امام مطالبات بتعديلات دستورية لا يعلم أحد عواقبها ونتائجها.
في المقابل، يمضي رئيس الحكومة قدما في المهام الوطنية والحكومية المطلوبة منه، وفق احكام الدستور في مرحلة الشغور الرئاسي. وفي هذا السباق بوشرت التحضيرات لعقد جلسة جديدة للحكومة بعدما طوي ملف الكهرباء مؤقتا عبر اصدار عدد خاص من الجريدة الرسمية يتضمن كل المراسيم المتعلقة بهذا الملف والتي أقرت في جلسة الحكومة هذا الاسبوع.
بالتزامن سجل إحتضان “وطني وسني” لرئيس الحكومة ودعم له على كل المستويات وتمثل بثلاث زيارات امس الى السراي لوفود رأسها كل من مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، مفتي عكار الشيخ زيد زكريا ومفتي زحلة والبقاع الشيخ الدكتور محمد علي الغزاوي.
وفي خلاصة المواقف أكد مفتي طرابلس “ان الأولوية هي لخدمة الناس وتسيّير شؤونهم ، وان يتم الاستحقاق الرئاسي، وان يكون المعنيّون على رأس مَنْ يهتم بهذا الاستحقاق لانجازه على أحسن وجه”.
أما مفتي عكار فقال: اذا كانوا يريدون ان يقفوا فلنقف وقفة واحدة لانجاز استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية وكفى مزايدات. هناك ضرورة لتسيير الحد الأدنى من مصالح الناس “.
اما مفتي البقاع فقال: “شعرنا أن دولة الرئيس من خلال سلوكه وادارته حريص على كل مؤسسات الدولة وان تكون هذه المؤسسات من خلال اكتمال نظمها وعقدها ابتداء من رئاسة الجمهورية وغيرها مكتملة لاكتمال منظومة العقد في بلدنا الحبيب لبنان”.