في ظلّ الانهيار الكبير لسعر صرف الليرة وتفاقم الأزمة الاقتصادية التي لم يشهد لها مثيلاً في لبنان، والركود السياسي الحاصل على المستوى الرئاسي، كان لافتاً الحراك السياسي الاستعراضي الذي قام به “نواب الثورة” والذي تظهّر من خلال اعتصامهم داخل مجلس النواب وتجييشهم للرأي العام الداعم لحراك 17 تشرين، الامر الذي أعاد فتح النقاش حول فاعلية هؤلاء النواب ومدى جدّية عملهم.
قبل 17 تشرين وانتخابات 2022 كان هناك خطاب سياسيّ يقول بأن القوى السياسية تعمد مع كل أزمة تواجه البلاد الى افتعال اشتباكات سياسية واعلامية من اجل تحويل أنظار اللبنانيين الى اتجاه آخر، ثم جاء نواب “التغيير” بمنطق الرفض لمبدأ “حرف البوصلة” والتأكيد على وجوب الإمعان في التركيز على القضايا الاساسية.
لكن يبدو أن اللحاق بمركب النظام يعيد تشكيل الوعي السياسي لدى القوى المختلفة، لذلك تجد “نواب الثورة” اليوم يتشبثون بالقشور ويُبدعون بالعمليات الاستعراضية اكثر من الانجاز والضغط على السلطة التشريعية والكُتل النيابية من جهة، والسلطة التنفيذية من جهة أخرى، من أجل الايفاء ولو بجزء من وعودهم البرّاقة. فماذا يفيد الاعتصام في مجلس النواب وماذا يضيف للبنانيين بعيداً عن الفلكلور الثوري الذي لا قيمة فعلية له؟! فإذا كانت الاولوية اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية، وهي ليست كذلك، فالاولوية للحلول الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بقضايا اللبنانيين واحتياجاتهم، ولكن بمنطق التسليم للجدل ماذا يقدّم اعتصام النواب “التغييريين” في المجلس النيابي لهذه القضية؟
واهم من يظنّ ان باستطاعة هؤلاء الضغط على القوى السياسية التي تعطّل الاستحقاق الرئاسي، أو التأثير مثلاً على قرار “حزب الله” بالتراجع عن مرشحه سليمان فرنجية، او احراج رئيس مجلس النواب نبيه بري ودفعه لتبديل رأيه بالنص الدستوري المرتبط بالجلسة الاولى والثانية. من المؤكد أن هذا العرض المسرحي المتواصل لن يؤتي ثماره على اي مستوى من المستويات، لكن الأخطر من ذلك هو ما حاول “نواب الثورة” التخطيط له والدعوة اليه بشكل علني خلال الايام الماضية، والمرتبط بالنزول الى الشارع وافتعال حراك ميداني يهزّ الاستقرار في البلاد ويعيدها الى مربع الفوضى.
ولعل دور هؤلاء النواب لم يعُد الهتاف في الشارع، إذ إن ثورة 17 تشرين نقلتهم من الموقع الشعبي الى الموقع الرسمي الذي يستطيعون من خلاله لعب دور أساسي أكثر جدية وواقعية، وحتى وإن كان حراكهم مجرد خطوة “شعبوية” هدفها شدّ العصب الثوري من جديد وإثبات وجودهم الهزيل داخل السلطة، علماً أنهم وصلوا الى المجلس النيابي بكتلة وازنة تكاد تعادل كتلة “حزب الله” النيابية، غير أنه يُظهر بوضوح فشلهم في القيام بخطوات عملية مدروسة داخل مجلس النواب وهروبهم الى الأمام من المسؤولية التي أوكلت إليهم من قِبل اللبنانيين الثائرين على الواقع اللبناني العام.
كل ذلك يوحي بأن النواب “التغييريين” اليوم، يولون اهمية كما في السابق للظهور الاعلامي، والبروباغندا وما يستتبعها من حضور على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الخطير هو ان حراكهم في هذه اللحظة السياسية الحساسة بالذات وتركيزهم على عنوان الاستحقاق الرئاسي دون سواه من الازمات يأخذ بعض الاضواء الاعلامية من حصّة الازمة الفعلية والاصوات الشعبية المعترضة على الانهيار الاقتصادي ويحورون الانظار نحو بضع نواب “يغيّرون جو” داخل المجلس النيابي ويشغلون الرأي العام بليلهم ونهارهم وطعامهم والاغطية والوسادات!