تفاصيل آخر تكتيكٍ من جنبلاط.. هذا ما يريده البيك

22 يناير 2023
تفاصيل آخر تكتيكٍ من جنبلاط.. هذا ما يريده البيك


مرّة جديدة، قرّر رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط مُباغتة حلفائهِ عبر خياراتٍ سياسية يريدها ويسير عليها بمعزلٍ عمّا يريده الآخرون. فقبل أيام، كان لقاء جنبلاط مع وفد “حزب الله” الحدث الأبرز، ومن خلالهِ كثُرت القراءات عمّا يدورُ في “ذهن البيك” رئاسياً وسياسياً. إلا أنه حتى الآن، فإنّ ما تُبيّنه الحركة السياسية لجنبلاط هو أنّ التبدلات بدأت تفرضُ نفسها، وأقلّ ما يُمكن قوله هو أنّ “زعيم الإشتراكي” بدأ ينتقلُ إلى مرحلةٍ جديدة من التعاطي الرئاسي، وقد يكون ذلك أشبه بـ”خطّة” جديدة تتماشى مع الوضع القائم.. وهنا، يُطرح السؤال الأساس: ما الذي يرسمه جنبلاط من خلال خطواته؟

ما يتّضحُ بشكل مُباشر هو أنّ “بيك المختارة” قرّر السير وفق التالي: عدم استعداء أيّ طرف سياسي وبالأخصّ “حزب الله” وتجديد العلاقة مع الأخير رغم الإنقسام القائم – عدم “مُجاراة” الحلفاء في كلّ ما يريدونه وبالأخص “القوات اللبنانية” – الإبقاء على فكرة الحوار قائمة وذلك من خلال تكريس التواصل مع الآخرين بشكل علني، وبالتالي نقل صورة إلى الآخرين لاعتماد “أسلوب التنسيق” الذي يُميزّ “الإشتراكي” عن غيره من الأطراف الأخرى. أما النقطة الأهم فهي أن جنبلاط بدأ يميلُ جدياً لـ”الإبتعاد” عن خيار ترشيح النائب ميشال معوّض، والدلالة على ذلك تراجع التمسّك به.
عملياً، قد يكونُ جنبلاط قد سعى بقوّة مؤخراً لتثبيت أنه “بيضة القبّان” المتميزة بـ”البرغماتيّة”، ومن خلال ذلك يمكن أن يكرّس كتلته النيابية كعنصر مؤثر وفاعل يحتاجه الجميع من دون أي استثناء، وحقاً هذا ما حصل. وكمثالٍ على ذلك، فإنّ جنبلاط ورغم “اقترابه” من “حزب الله”، لم يقطع “حبل الودّ” مع “القوات”، لكنه في الوقت نفسهِ لم يعتمد على الخيارات التي يريدها أيّ من هذين الطرفين. إلا أنه مع ذلك، فإنّ جنبلاط اختار مُسايرة الحزب بـ”منطق الحوار” وعدم التشبث بأي خيار “جازم”، في حين أنه سار مع “القوات” في البداية على تزكية ترشيح النائب ميشال معوّض، لكنه في الوقت نفسه لم يعد متمسكاً بالأخير. هنا، الأمر هذا لا يعني أن جنبلاط سيسيرُ بما يريده الحزب، لكنه في الوقت نفسه “لن يُهمش خيارات الأخير” كما أنه لن يضرب العلاقة مع “القوات”، ما يعني أن الطرح الوسطي الرئاسي سيكون حاضراً وبتأييد من “التيار الوطني الحر” الذي عاد جنبلاط لـ”مغازلته” مؤخراً، وإن كان ذلك بطريقة غير مُباشرة.
في الواقع، فإن “التكتيك” الذي يعتمده جنبلاط يجعله الجبهة التي تجمع الخصوم، ولهذا قد تكونُ طروحاته هي الأكثر تأثيراً وجدّية. وانطلاقاً من بوابة الوسطية التي اختارها “البيك”، فإنّ ثمة من يقول أن “حزب الله” قد يميلُ أكثر للسير بما قد يطرحه جنبلاط من مبادرات رئاسية، الأمر الذي يُشير إلى أن الأخير بات متمكناً بشكل كبير من ضبط اللعبة الحالية وفق توقيته ومن دونِ أن يكسر الجرّة مع أحد. وعند هذه النقطة تدخل مسألة الخيارات التي سيسعى جنبلاط لطرحها بشكل متتابع،  الأمر الذي يساهم في كسر نمطية الركود القائمة.خلال الأيام المقبلة، فإنه من المُرتقب أن تُعلن كتلة جنبلاط عن موقفٍ جديدٍ لها بشأن الرئاسة، ومن المُفترض أن يأتي ذلك استكمالاً لتلويحها بمقاطعة جلسات انتخاب الرئيس قبل أيام. وعلى صعيد النقطة الأخيرة (أي التهديد بالمقاطعة)، فإنها قد تكون بمثابة الحجر الأول والأساس لإستقطاب الجميع نحو طاولة الحوار وبالأخص حلفاء “الإشتراكي”. هنا، يكمن “التكتيك” الجنبلاطي بـ”هزّ العصا” الرئاسية في وجه الآخرين، وقد تكون تلك الخطوة بمثابة جرعة دعمٍ لما يريده رئيس مجلس النواب نبيه بري لناحية عقد جلسات حوار. وبمعنى آخر، قد تشكل مقاطعة جنبلاط حافزاً لـ”القوات” وغيرها من الأحزاب للانخراط جدياً في خيار الحوار الرئاسي، ما يعني أنّ بري يكون قد حقق مبادرته عبر جنبلاط الذي قد يتمسك بالحوار وإنعقاده وذلك قبل العودة إلى أيّ جلسات انتخابيّة. وحُكماً، قد تتشكل المبادرة “الإشتراكية” انطلاقاً من هذه الفكرة، وبالتالي يمكن أن تُترجم عملياً عبر الضغط المطلوب نيابياً.. ولكن، كيف سيتحقق ذلك ومتى؟ وهل سيبادر جنبلاط علناً إلى فتح الباب أمام أسماء جديدة للتفاوض؟ أما الأمر الأهم.. هل يعني الحراك الجنبلاطي أنّ المسؤولية الرئاسية الكاملة باتت داخلية بمعزلٍ عما يريده الخارج؟