محاولة انقلاب على التحقيق اللبناني في ملف سلامة

24 يناير 2023
محاولة انقلاب على التحقيق اللبناني في ملف سلامة

كتبت “الاخبار”: ينبغي النظر إلى مهمة الوفد القضائي الأوروبي (فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ) لمتابعة ملف اتهام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشركائه بالاختلاس وتبييض الأموال. فقد برر الوفد الأوروبي مهمته باتفاقيات دولية تسمح له بطلب المعونة من لبنان، وأيضاً بأن اللبنانيين يعطّلون التحقيق. وما يجري يعيدنا، عملياً، إلى تجربة المحكمة الدولية الخاصة التي انتهت أعمالها بتبني تقرير فني أعده فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، لكن بعدما أنفق لبنان على المحكمة نحو مليار دولار نصفها من جيوب اللبنانيين.

 
لكن الجديد في هذه الجلسات، أنها شهدت تطوراً في توصيف بعض الشهود لما يحصل. صحيح أن كل ممثلي المصارف نفوا علمهم بوجود شركة «فوري» أو أي شركة وساطة مالية بينهم وبين مصرف لبنان خلال عمليات بيع سندات الخزينة. إلا أنهم اعتبروا أن الأموال التي استحقت كعمولات على العمليات المالية دفعتها المصارف، وبالتالي فهي أموال خاصة، ما يسقط شبهة اختلاس المال العام عن سلامة وشركائه. أضف إلى ذلك أن مديري المصارف قالوا إنهم نفذوا قراراً إلزامياً صادراً عن المجلس المركزي لمصرف لبنان بأن عمليات بيع السندات تشتمل على دفع المشترين نسبة عمولة إلزامية، من دون ذكر أي شركة وساطة.
 
وبالتالي، استوفى مصرف لبنان العمولة وحوّلها لمصلحة «فوري» التي نفى نواب حاكم مصرف لبنان علمهم بوجودها، فيما قال بعضهم إن المجلس المركزي فوّض الحاكم التعاقد مع شركة وساطة.لكن مراجع قضائية تؤكد أنه لا يمكن لشاهد، خصوصاً إذا كان ممثلاً لشركة تجارية، أن يصنف الأموال بين خاصة وعامة، وأن هذه مهمة القضاء، سواء في مرحلة التحقيقات أو الادعاء أو التحقيق أو الحكم. وبالتالي لا يمكن الركون إلى هذا التوصيف. كما أن اعتبار المصارف أن الأموال المستوفاة كعمولة هي أموال خاصة، وطالما أنها لم تطلع على طبيعة هذه العمولة، فما عليها سوى الادعاء على مصرف لبنان والمطالبة باستعادة هذه الأموال العائدة أصلاً إلى المودعين، وهو ما لم يحصل. أما في حال دافع المصرف المركزي عن أحقية العمولة، فعليه أن يطالب الحاكم باستعادة هذه الأموال إلى صندوقه الخاص.
 
وتشير الجهات القضائية المعنية بالتحقيق إلى أن قرار المجلس المركزي بفرض عمولة وتحديد نسبة موحّدة لها من دون أن يشير إلى شركة وساطة معينة، يعطي هذه العمولة طابع الرسم أو الضريبة، وبالتالي يحوّلها أموالاً عامة، بمعزل عن مصدرها. وهذا يعني أن تحويلها لمصلحة شركة وساطة هو عملية اختلاس للمال العام، قبل أن يتطور الأمر إلى تهمة تبييضها من خلال مصارف لبنانية وأجنبية وتحويلها إلى عقارات أو أموال نقدية.
 
 
 
في هذا السياق، يبدو أن المحققين الأوروبيين الذين سيعودون إلى لبنان مطلع شباط المقبل سيرسلون إلى النائب العام التمييزي غسان عويدات طلباً بالحصول على كامل الوثائق الخاصة بملف التحقيقات، وخصوصاً كشوفات حسابات رجا سلامة. وسرّبت الوفود القضائية الأوروبية، ولا سيما الفرنسية، للصحافة الفرنسية بأن لبنان تعاون مع الوفد، وسلّمه مجموعة من الوثائق المصرفية العامة شرط عدم استخدامها خارج التحقيق أو اطلاع غير معني عليها، وأن الزيارة سمحت للمحققين الأوروبيين بإنجاز عملية الربط بين الأموال وبين شبكة شركات تعمل في أوروبا.
 
 
وقالت مصادر مطلعة إن قاضية التحقيق الفرنسية أود بوريسي شرعت في إنجاز ملفاتها لتوجيه الاتهام إلى سلامة. ونقلت صحيفة «الموند» أن بوريسي التي ستتولى مهمات جديدة في حزيران المقبل، لا تنوي مغادرة موقعها الحالي قبل إدانة سلامة وشركائه. وأشارت الصحيفة إلى أن مقرّباً من سلامة تعاون مع قضاء لوكسمبورغ وفق برنامج حماية الشهود، وأن الأوروبيين عرضوا منصة لاستقبال أي معلومات تفيد التحقيق مع توفير حصانة للمتبرعين بالمعلومات. كما يجري الحديث عن «شاهد ملك» في القضية، وسط إشارات إلى أن المقصود هو نبيل عون العامل في سوق شركات الوساطة المالية، والذي كانت تربطه علاقة قوية مع سلامة قبل وقوع قطيعة بينهما خلال إجراء الهندسات المالية في العام 2016. وقال مطلعون إن عون الذي اعتذر عن عدم الاجتماع بالمحققين الأوروبيين خلال وجودهم في لبنان، سافر إلى أوروبا.