عندما قيل منذ ما قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية إن التحالفات والاتفاقات الثنائية لا تبني بلدًا قامت قيامة البعض ولم تقعد.
فقد صعد “الجنرال” إلى بعبدا وعلى كتفيه ثلاثة اتفاقات أو تفاهمات أو تسويات مع أطراف متناقضة سياسيًا وتوجّها وأهدافًا. الأول مع “حزب الله”، وهو ما يُعرف بتفاهم “مار مخايل”، والثاني مع “القوات اللبنانية” وكان يُعرف بإتفاق “معراب”، والثالث مع الرئيس سعد الحريري، الذي دخل معه بتسوية رئاسية معروفة أسبابها وأهدافها.
الاتفاق مع “القوات” سقط عند أول امتحان، ويقول البعض إنه لم يعد صالحًا بمجرد وصول “الجنرال” إلى سدّة الرئاسة. ومنذ ذلك التاريخ عادت العلاقة بين “بعبدا” و”معراب” إلى توتّرها تمامًا كما كانت العلاقة بين “معراب” و”الرابية”، بل أسوأ في نظر المتشدّدين في “التيار الوطني الحر”. أمّا التسوية الرئاسية بين الرئيسين عون والحريري، وفيها الكثير من بصمات رئيس “التيار” النائب جبران باسيل، فانهارت بمجرد أن تضاربت المصالح السياسية والشخصية بين الحريري وباسيل، حتى وصلت إلى حدود إتهام الأول الثاني بأنه “الرئيس الفعلي”، وبأنه السبب الأول والمباشر لفشل “العهد القوي”.
أمّا بالنسبة إلى التفاهم بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” أو ما يُعرف بورقة تفاهم “مار مخايل” فقد مرّ خلال سنوات العهد بطلعات ونزلات، وكان التفاهم بين “بعبدا” و”حارة حريك” يتمّ وفق ما تمليه مصالح الطرفين أو وفق ما يُعرف بـ “غبّ الطلب”، إذ كانت العلاقة بينهما محكومة بسقوف لم تؤدِ الخلافات بينهما إلى حدود القطيعة، بل كان يعتريها فتور متبادل، من دون أن تخلو المقامات من انتقادات مباشرة كانت ترد مرّات على لسان النائب باسيل مباشرة، ومرّات على لسان نواب من “التيار”. وعلى رغم هذه المواقف المتشنجة لم يسقط “تفاهم مار مخايل”، لكنه في الوقت ذاته لم يعد يصلح لعلاقة طويلة الأمد، خصوصًا أن ثمة كلامًا عالي السقف يقوله “العونيون” داخل الجدران الأربعة وفي اللقاءات الحزبية المغلقة، ومفاده أن من بين أسباب فشل عهد الرئيس عون هو أن “حزب الله” لم “يحلب” صافيًا في دعمه للموقع الرئاسي مقابل ما قدّمه رئيس الجمهورية من شرعية رسمية للمقاومة وذلك من أعلى منبر أممي.
أمّا اليوم، وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، فإن قيام وفد من “حزب الله” بزيارة المقر العام لـ”التيار” في “ميرنا الشالوحي” انما يهدف إلى ترميم العلاقة المتوترة بين “الحليفين” على قاعدة إعادة النظر بـ”تفاهم مار مخايل”، وذلك لمعرفة إذا ما كان المضمون لا يزال يتطابق مع الواقع، فيصار إلى تعديل ما يجب تعديله ويُلغى ما يجب إلغاؤه، وفق ما تقتضيه مصلحة الطرفين، خشية ان يبقى ما كتب حبرًا على ورق، وأن يكون الواقع المستجد قد تخطى ما سبق أن تم الاتفاق عليه، خصوصًا أنه قد مضى على هذا التفاهم سنوات من دون تكبدّ عناء مراجعته بفعل المتغيرات التي طرأت على الواقع السياسي، الذي أملى في وقت من الأوقات مثل هكذا تفاهم.
وقد يكون من المفيد أن يعاود كل من “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” إعادة النظر في بعض بنود ورقة تفاهم مار مخايل، أقله بعد إنتهاء ولاية الرئيس عون. وفي متابعة لنص ورقة “تفاهم مار مخايل”، يتبين أن ثمة بنودًا مهمة يجب تعديلها بما يتلاءم مع الواقع، خصوصًا بعد التباين في وجهات النظر بين “الحزب” و”التيار”، على رغم تأكيد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بما معناه أن هذه الأمور غير حرزانة وهي صغيرة ولا يمكن أن تؤثر على العلاقة بين الحلفاء.
فإمّا أن يرمّم هذا التفاهم بـ “التي هي أحسن” أم يتمّ الذهاب في اتجاه “الطلاق بالمعروف”، مع حرص الطرفين على ألاّ يؤدي هذا “الطلاق” إلى توتير الأجواء العامة في البلاد.