أمام كل استحقاق دستوري متعلق بانتخاب رئيس لمجلس النواب ورئيس للجمهورية او بتسمية رئيس لتشكيل الحكومة، تعلو الأصوات الداعية الى محاولة البحث عن التفاهمات الداخلية ضمن الطائفة التي ينبثق منها الرئيس، في محاولة لمنحه نوعا من الغطاء الطائفي يمكّنه من العمل والتحرك خلال تسلمه مهامه بحرية وفعالية وثقة.
وهذا المنطق يبدو طبيعياً في ظل نظام طائفي يتحكم بمختلف مفاصل البلاد وبمختلف ملفاتها الكبيرة منها والصغيرة.لكن، في مقابل هذا المنطق وهذا الخيار الذي يبدو مريحا لكثيرين، لا بد من العودة الى روحية الدستور والى أساس “الطائف” و”الميثاق الوطني”.
فبالعودة اليهما، يمكن الاستخلاص انه لا بد من تأمين الميثاقة او الشراكة بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني عند كل استحقاق دستوري بغض النطر عن طبيعته، كما يمكن الاستنتاج انه من الواجب ان يمنح اي استحقاق دستوري بعده الوطني بغض النظر عن الطائفة التي يتعلق فيها بشكل مباشر.وفي هذا الاطار يؤكد مرجع دستوري لـ”لبنان 24″ ان ” المشكلة الاساسية هي في عدم تطبيق روحية (الطائف) وليست في عدم تطبيق بنوده بحد ذاتها.فدستور (الطائف) الذي وزع المناصب والمهام بين الطوائف بصورة منصفة، أكد ضرورة ان تشترك كل المكونات والعائلات الروحية في الدفع نحو انجاز الاستحقاقات لاسيما الرئاسية منها، ما يجعل الرؤساء الـ3 وعلى الرغم من ارتباطهم بمكونّ طائفي محدد، يمثلون كافة اللبنايين على اختلافهم وتنوعهم”.
ويضيف “هذه النقطة بالتحديد، اي الشراكة في الاستحقاقات ووصول أفراد الى سدة المسؤولية يشكلون عامل طمأنة للجميع من دون استثناء، تساعد بصورة تلقائية في الوصول الى مرحلة من النضج السياسي، الذي يمكن التعويل عليه للذهاب نحو الدولة المدنية وقبلها نحو العمل الجديّ لتشكيل (الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية) وهي شرط أساسي من شروط نجاح واستمرار اتفاق (الطائف)”.
أمام هذا الواقع، وأمام الشغور الرئاسي المتحكم في البلاد والذي كان من المُنتظر ان يدفع الجميع للذهاب بشكل سريع لانتخاب رئيس للجمهورية، ما يضع حدا للفراغ وما يعيد الانتظام الى الحياة الدستورية والتشريعية وما يؤدي الى العمل بشكل جديّ لمعالجة حدة الازمة الاقتصادية التي خنقت المواطن وجعلت تفاصيل حياته شبه مستحيلة، يحاول البعض اظهار الاستحقاق الرئاسي على الرغم من اهميته ومن بعده الوطني الجامع، على انه استحقاق مرتبط بفئة من اللبنانيين دون سواهم.
وفي هذا السياق يؤكد مرجع مطلع لـ”لبنان 24″ انه ” على الرغم من كون الاستحقاق الرئاسي استحقاقا مرتبطا مباشرة بالطائفة المارونية، يبدو حصره بها وجعله متعلقا ببعض جماعاتها الحزبية الذين يشكلون أكثريات نيابية دون سواهم، غير مفيد، اذ يؤدي الى تفريغ الاستحقاق من أهميته، كما يفقد الموقع الدور التاريخي الموكل اليه والمتمثل في ايجاد طرق واساليب للحوار والتفاهم بين اللبنانيين وفي تعزيز مفاهيم انفتاحهم على بعضهم البعض.
واليوم، يحاول البعض الاشارة بصورة علنية الى انه لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية بدون موافقة (حزب القوت اللبنانية) و(التيار الوطنيّ الحرّ) باعتبارهما ممثلين أساسيين للطائفة المارونية في المجلس النيابي، وهذا ما يمكن ان يؤخذ بعين الاعتبار نظرا لضرورة احترام مبدأ التمثيل في النظام اللبناني البرلماني.لكن السؤال يبقى حول مصير الاستحقاق في حال بقي كل من (القوات) و(التيار) متمترسين وراء خلافهما وصراعهما التاريخي الذي خرقته هدنة واحدة انتجت (اتفاق معراب) وما رافقه من محاصصة وتدهور على مختلف الصعد والمجالات.
والسؤال ايضا يدور حول المسيحيين والموارنة المتواجدين خارج دائرة التمثيل القواتي والتياري والنظرة الدونية تجاههم واعتبارهم موارنة ومسيحيين من الدرجة الثانية، على الرغم من ان اعدادهم ليست قليلة أبدا، وعلى الرغم من ان اتساع دائرتهم او تقلصها مرتبط بالقانون الانتخابي نفسه، الذي بات يعلم الجميع انه ينصف جزءا من المسيحيين ويظلم فئة أخرى”.ويختم المرجع مؤكدا ان ” تجربة الـ2016 التي جمعت (القوات) و(التيار) تؤكد ان الموارنة يمكن لهم عبر تمثيلهم النيابي الواسع ان ينتخبوا رئيساً منفردين، لكن لا يمكن لهم ان يبنوا وطناً ، فبناء الوطن يحتاج الى “لم شمل” اللبنانيين اولا، لا الى الدفع نحو توسيع رقعة التباعد بينهم”.