كثيرة هي المبادرات التي يقوم بها قادة ونواب سُنّة بهدف احتواء الزعامة السُّنية، على اعتبار أن غياب رئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري وعدم ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي خلال الانتخابات الفائتة للائحة انتخابية أحدث فراغاً كبيراً في الساحة السنية لا يُمكن تعويضه الا من خلال قيام بعض زعامات المناطق بملئه عبر حراك مكوكي.
هذا الامر تظهّر من خلال أداء بعض نواب السنّة الذين يسعون بشكل علني لامتلاك زعامة لم تكن “من حظّهم” في السابق، ويحصل ذلك في عدة مناطق لبنانية من بينها العاصمة بيروت والتي تشهد عدّة حراكات من قبل بعض رؤساء الاحزاب والنواب السنّة الذين يحاولون احتواء باقي النواب ودعوتهم الى اجتماعات متواصلة للإيحاء بأنهم قادرون على قيادة الحراك السنّي السياسي في لبنان.
في الشمال، وتحديداً طرابلس، يعمل رئيس “تيار الكرامة” النائب فيصل كرامي على بناء حيثية سياسية مستقلة له، وذلك من خلال التمايز عن حليفه “حزب الله” في محاولة للاقناع بعدم انضوائه تحت عباءة “الحزب” كباقي النواب الذين ومن بينهم كرامي أُطلق عليهم في مرحلة سابقة “سُنّة حزب الله”، الامر الذي خلق حساسية مع باقي النواب من نفس الفريق السياسي، سيّما بعدما ظهر التقارب الذي يعبّد طريقه الاخير مع كل من تركيا والمملكة العربية السعودية.
كرامي الذي يسعى الى تظهير نفسه كمرجعية سياسية سُنية اكبر من حيثيته الشمالية، بات اليوم يمارس نشاطاً سياسياً ملحوظاً تجنّبه كثيراً في مرحلة سابقة، فهل لدى الرجل فرصة جدية للزعامة؟
لا يبدو أن فرصة كرامي افضل من فرصة النائب البيروتي فؤاد مخزومي التي تعرضت لانتكاسات كبرى خلال المرحلة الماضية، إذ إن كرامي الذي يعتبر نفسه اليوم مُقرّباً من الرياض يدرك جيداً بأن المملكة تفتح أبوابها امام جميع النواب والقادة السّنة على الساحة اللبنانية من دون استثناء، حتى ان أولئك الذين يشددون على تحالفهم المتين مع “حزب الله”، كانوا دوماً مقابَلين بالترحيب من قبل السعودية التي تصرّ على احتضان الساحة السنّية في لبنان. وبالتالي، فإن كرامي الذي يحاول تشكيل حالة سنيّة فريدة لن يتمكّن من سدّ فراغات مواقفه المُعلنة وغير المعلنة على المستوى السياسي، والتي غالباً لا تخوّله قيادة “الحالة السنّية” في لبنان وسط انقسام كبير على مستوى الجبهات السياسية. من جهة اخرى فإن علاقته مع الاتراك مهما بدت ايجابية، لا تبدو كافية لتحقيق طموحه السياسي سيّما أن أنقرة لا ترغب صراحةً بتوسيع دورها في لبنان.
هذه الهالة التي يجهد كرامي لرسمها من حوله وتظهير انفتاحه على كل الفرقاء السياسيين في لبنان، خصوصاً مع الاطراف المعنية بالملف الرئاسي، كـ “تيار المردة” و”الوطني الحر”، مبرراً عدم تقبّله “للقوات اللبنانية” باعتبارات شخصية، ليس من شأنها، وفق مصادر متابعة، أن تشكّل احتضاناً عربياً مرجواً، حيث من المعلوم، بحسب المصادر نفسها، أن المملكة تعمل اليوم على تسوية اكبر من زواريب الزعامات وتفاصيل الاسماء، وما حرصها على التعددية السنّية وانفتاحها على كل الوجوه سوى نتيجة حتمية لتجربة الاحادية السنّية السابقة والتي امسك بزمامها الرئيس سعد الحريري في مرحلة فائتة، والتواصل السعودي المستمر مع كل الشخصيات السنّية مرتبط بأكثر من اتجاه يمكّن المملكة من تحديد بوصلتها الجديدة في لبنان.