لا يبدو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي سيدعو إلى جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، طالما أنّه ليس هناك من مرشّحٍ جدّيٍّ قادر على الحصول على أقلّه 65 صوتاً لإنهاء الفراغ في الموقع المسيحيّ الأوّل في البلاد. فعَقِد جلسات إنتخابيّة من دون توافقٍ أقلّه بين نصف النواب زائد واحد لن يُقدّم ولن يُؤخر في النتيجة، من هنا، بدأ الحديث في كواليس عين التينة عن التوجّه لعقد جلسة إنتخاب حاسمة حين تتأمّن الأصوات الكافية لأحد المرشّحين.
ولا شكّ رأت أوساط نيابيّة “معارضة” أنّ هناك محاولة بين عين التينة والضاحيّة الجنوبيّة والمختارة لتمرير رئيسٍ لا يحظى بأصواتٍ مسيحيّة، وفسّرت هذه الأوساط الأمر بأنّه نوعٌ من فرض “الثنائيّ الشيعيّ” مرّة جديدة الرئيس على الأفرقاء في لبنان. في المقابل، أوضحت أوساط من 8 آذار أنّه لن يُنتخب رئيسٌ إذا تمّت الدعوة كلّ أسبوعٍ إلى جلسة إنتخابيّة في ظلّ الإنقسام السياسيّ في المجلس النيابيّ، وأضافت أنّ المطالبات بفتح دورات إنتخابيّة تضييع للوقت، فلا أحد يملك 65 نائباً لانتخاب أيّ مرشّحٍ، وهذا المطلب يُعتبر شعبويّاً وليس حلّاً في غياب التوافق.
وفيما يعمل رئيس الحزب “التقدميّ الإشتراكيّ” وليد جنبلاط على تقريب وجهات النظر بين “حزب الله” و”حركة أمل” و”الوطنيّ الحرّ”، يتّضح أنّ “الثنائيّ الشيعيّ” يُحاول مرّة أخيرة تأمين الأصوات لرئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجيّة قبل توجّهه إلى الإقتراع لقائد الجيش العماد جوزاف عون. فيُشير مراقبون إلى أنّ عين التينة والضاحيّة الجنوبيّة أصبحا أكثر إنفتاحاً على إيصال حليفهما المسيحيّ إلى سدّة الرئاسة، بعدما بات جنبلاط مقتنعاً أنّ دعمه لرئيس “حركة الإستقلال” النائب ميشال معوّض انتهى، ما يعني أنّ الأخير خسر 9 نواب من رصيده.
أمّا في ما يخصّ الذهاب إلى الدورة الثانيّة والثالثة أو أكثر، فيعتبر مراقبون أنّه لم يعد مشكلة لدى كتلتيّ “الوفاء للمقاومة” و”التنميّة والتحرير”، فلا منافس قويّاً على الورق لفرنجيّة، وتطيير النصاب لم يعد يُشكّل أهميّة بعد الإستدارة الجنبلاطيّة. إضافة إلى ذلك، فقد أبدى “حزب الله” إرتياحه من عدم رغبة منافسيه السياسيين، وخصوصاً “القوّات اللبنانيّة” و”الكتائب” ونواب “التغيير” بتعطيل نصاب الثلثين، كيّ لا يتحملّوا مسؤوليّة إطالة الفراغ أمام الرأيّ العامّ المحليّ والعربيّ والدوليّ.
وفي السيّاق عينه، فإنّ الخلافات بين أفرقاء “المعارضة” وعدم توصّلهم حتّى اللحظة لتوافقٍ في ما بينهم للتصويت لمرشّحٍ واحدٍ، هو بمثابة إنتصار لفريق “الممانعة” الذي بدّل إستراتيجيّته من الحوار والتسويّة إلى إنتخاب فرنجيّة بأغلبيّة النصف زائدا واحدا.
ويرى مراقبون أنّ جنبلاط إذا تأكّد من أنّ رئيس “المردة” سينال العدد الكافي من الأصوات، فإنّه سيسير به، ولن يُعطّل إنتخابه طالما أنّ الفرصة ستكون سانحة لإنهاء الفراغ الرئاسيّ.
ومع ذلك، أعلن بعض نواب “الجمهوريّة القويّة” خلال اليومين الماضيين، أنّهم ليسوا أبداً ضدّ وصول قائد الجيش ولا يُمانعون إنتخابه، علماً أنّ إسمه ضمن لائحة جنبلاط الثلاثيّة، أيّ أنّه يحظى بدعمٍ “قواتيٍّ” و”جنبلاطيّ”. غير أنّ السير بقائد الجيش كمرشّحٍ أكثريّ ينتظر قراراً من “حزب الله” وبرّي اللذين يُوليان حاليّاً أهميّة لفرنجيّة. من هذا المنطلق، فإنّ حظوظ “سيّد بنشعي” أصبحت مرتفعة أكثر من العماد جوزاف عون، ولعبة العدد هي من ستدفع جنبلاط للحسم تجاه أحدهما.
هذا واعتبرت أوساط سياسيّة أنّ على “الثنائيّ الشيعيّ” توضيح موقفه النهائيّ من الإستحقاق الرئاسيّ، فإمّا يُعلن رسميّاً عن ترشيّح فرنجيّة، الأمر الذي سيُساعد كثيراً في بدء تجميع الأصوات له، ويدفع النواب السنّة إلى التعامل معه كمرشّحٍ جديٍّ، وإمّا الإعلان عن نيّته بالإقتراع لقائد الجيش لأنّ الأخير قادرٌ على الحصول على الأصوات من خندقيّ “المعارضة” و”الممانعة” في الوقت عينه.