من الواضح أن “التعليمة” لم تأتِ من الخارج بعد، وقد يتأخر مجيئها. ولهذا فإن أي حراك داخلي يبقى في إطار تقطيع الوقت ليس إلاّ. وفي اعتقاد الذين يحاولون كسر الجمود المسيطر على الملف الرئاسي أن الحراك الذي يقوم به بعض الداخل لا يعدو كونه “فقاقيع صابون” لا يمكن التعويل عليه لحسم الخيارات، وذلك بعدما تيقّن الجميع أن السبب الرئيسي يعود إلى المنخفض الجوي المتأثر ببرودة تعاطي الخارج، كل الخارج، مع الأزمة اللبنانية بما تستحّقه من اهتمام. وهذه اللامبالاة من قِبَل الخارج تعود في الأساس إلى انشغاله بأمور كثيرة، إضافة إلى ما لمسه من عدم تجاوب الطبقة السياسية في لبنان مع ما طالبها به من إصلاحات مالية وإدارية وتشريعية.
Advertisement
ولأن ما يمرّ به لبنان هو من آخر اهتمامات الخارج، أقّله بالنسبة إلى مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن مسؤولية الداخل تصبح مزدوجة، بمعنى أنه إن لم يبنِ ربّ البيت فعبثًا يتعب البناؤون. هذا هو منطق الأشياء. بهذا المنطق يتعاطى بعض الذين لا تزال تربطهم بلبنان صداقات ومصالح، ومن بين هذه الدول تلك التي ستجتمع في باريس وهي الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر في محاولة لترسيم حدود تعاطي بعض الخارج مع الأزمة اللبنانية من زاوية الملف الرئاسي العالق في عنق زجاجة “اختلاف الفئران على كشك الجيران”.
فمع الإعلان الرسمي عن الاجتماع الخماسي اليوم الإثنين يكون التحرك الديبلوماسي الفرنسي قد فرض نفسه على الواقع اللبناني تزامنًا مع الزيارة اللافتة للسفير السعودي وليد البخاري لقائد الجيش العماد جوزاف عون.
ويسود اعتقاد لدى بعض الأوساط اللبنانية أن اجتماع باريس يهدف في ما يهدف إليه إلى الضغط على الطبقة السياسية اللبنانية لإنهاء ازمة الشغور الرئاسي، علما ان معظم الاجتهادات الداخلية في لبنان كانت تنحو الى القول ان الاجتماع يغلب عليه طابع درس المساعدات للشعب اللبناني ولا يحمل طابعا سياسيًا أساسيًا.
ويأتي هذا الاهتمام الخماسي بالوضع اللبناني من زاوية ما نتج عن تحرّك الفاتيكان في اتجاه كل من واشنطن وباريس، وذلك بعدما بلغ قلق الدوائر الفاتيكانية مبلغه حول تدهور الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية في لبنان تحت وطأة ازمة الشغور الرئاسي، إذ لم يعد مستوى هذا القلق محصورًا بالبعد المالي والاجتماعي فقط، بل تمدّد الى مخاوف على الاستقرار الأمني واحتمال زعزعته في المرحلة المقبلة. ولذا سيكتسب اجتماع ممثلي الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني ابعادًا أكثر أهمية من الانطباعات التي سادت حياله في الفترة السابقة، بحيث ينتظر ان تصدر عنه توجهات بارزة ومؤثرة في ملف الازمة السياسية – الرئاسية اللبنانية وتداعياتها، ناهيك عن الجانب الثابت الدائم في الازمة المتصل بملف الإصلاحات والقصور السياسي والسلطوي الهائل في تحقيق خطوات الحد الأدنى المطلوبة دوليًا من لبنان، فضلًا عما يمكن أن يصدر من توصيات بخصوص الاستمرار في دعم الجيش، الذي يبقى صمام أمان للاستقرار العام.
وتزامنًا فإن ما صرّحت به وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا خلال زيارتها للرياض كان لافتًا، خصوصًا عندما أعربت عن “قلقها البالغ إزاء انسداد الافق في لبنان من الناحية السياسية”. وهي بحثت مع السعوديين وبقية شركائها في المنطقة سبل “تشجيع الطبقة السياسية اللبنانية على تحمّل مسؤولياتها وإيجاد مخرج للأزمة”. وأوضحت أن “هذا النهج سيكون موضوع اجتماع متابعة الإثنين مع الإدارات الفرنسية والأميركية والسعودية والقطرية والمصرية لمواصلة التنسيق مع شركائنا وإيجاد سبل للمضيّ قدماً”.
في المقابل فإن اجتماع باريس محفوف بالمخاطر مع استمرار رفع وتيرة التصعيد مع إيران، سواء عبر اعلان كولونا ان اهداف زيارتها الخليجية مواجهة سياسة طهران المزعزعة للاستقرار، او عبر توقيف البحرية الفرنسية لباخرة محملة بالأسلحة الايرانية كانت متوجهة الى “انصار الله” في اليمن.