زمن​ الترقيع ​في ​أوجّه… لم ​يعد الجديد مباحاً​ للبنانيين!

6 فبراير 2023
زمن​ الترقيع ​في ​أوجّه… لم ​يعد الجديد مباحاً​ للبنانيين!

تبدّلت الأيام و”برمت عجلة” اللبنانيين لتعود الحال بهم الى عصر “الإبرة والخيط”، هم من التحقوا بقطار الموضة وفتحوا أسواقهم التجارية للإسباني والإيطالي والفرنسي وبعدها للتركي… عادوا اليوم ومع استفحال الأزمة الاقتصادية والانهيار المتواصل لعملتهم الوطنية الى تدوير ملابسهم، فـ”الزمن الأوّل تحوّل” ولا سبيل للجديد.

الأزمة التي أنهكت معظم القطاعات حملت الخير للخياطة، فبعد أن شهد الخياطون المرحلة الأسوأ وهُددت مهنتهم بالاندثار نتيجة غزو الثياب المستوردة وانحياز اللبنانيين لشرائها عوضاً عن تفصيل بدل لهم أو تعديل ملابسهم، ها هم اليوم يتربّعون مجدداً على عرش فُصّل لهم بقلب الصناعة، في عهد الضيق.أيام العزّ لم تعد..ليس ازدهاراً كما يحلو للبعض اعتباره، بل حركة ناشطة؛ فأيام العزّ لم تعد للمهنة والأزمة تطالها أيضاً وتنهك العاملين فيها، هذا ما يؤكّده إيلي رزق، مصمم أزياء وصاحب مشغل للخياطة في وسط البترون.
 
ويشرح إبن الـ36 عاماً لـ”لبنان 24″ أن انتعاش مهنة الخياطة أتى بعد فترة مديدة من الموت السريري؛ فبالإضافة الى إغراءات الألبسة الجاهزة والمستوردة، حلّت كورونا ضيفاً ثقيلاً زاد “الطينة بلّة” على الخياطين.
 
الشاب الذي امتهن الخياطة وبدأ مسيرته المهنيّة لدى دار “أبولو” قبل أن يفتح مشغله الخاص، يروي أنه عندما قرّر إنشاء مصنعه للأزياء في الـ2014، لم يكن إجراء التعديلات على الملابس القديمة و”التصليحات” ضمن الحسبان. ويقول: “أنا أصمم فساتين أعراس وسهرة، أرسم “الموديل”، أبتكر القصات، أفصّل وأدمج مختلف أنواع الأقمشة مع الدانتيل والتطريزات”، مشيراً إلى أن “عملي موسمي ويرتبط بفترات المناسبات كالأعراس ولكن مع اشتداد الأزمة قلّت حركة شراء فساتين الـ”Gala” الطويلة وبات التوجّه نحو استئجار الفساتين، إلّا أن وضع اللبنانيين لم يسمح للعديد منهم بالحصول على هذه الخدمة، نظراً لاستمرار ارتفاع الدولار في السوق الموازية وأصبح السؤال الدائم عن تعديل الفساتين القديمة”.ويكمل حديثه: “مع كثرة طلب إجراء التعديلات على الفساتين والملابس القديمة، قررت الغوص في “الخياطة التقليدية” والتماشي مع “المطلوب”، موضحاً أن “غالبية طلبات الزبائن تندرج في إطار إجراء التصحيحات على التصاميم القديمة وتدوير الملابس”.وعن الأسعار، يلفت إلى أنه ألحق تعديلاً في معظمها بحيث باتت ايجارات الفساتين الطويلة أقلّ بنسبة 40% مما كانت عليه سابقاً. أما في ما يخصّ “التعديلات”، فيقول: “أسعار المواد الأولية كالسحّابات والأقمشة تتأثر بالضريبة الجمركية والدولار، لذا اعتمدنا التسعير بالعملة الخضراء والدفع بالليرة الليرة اللبنانية”، ويتابع: “التسعيرة مدروسة وقد تتراوح من الـ150
ألف ليرة لبنانية للتصحيحات الصغيرة على الملابس الى الـ30 دولار أميركي وما فوق للتعديلات على فساتين السهرة القديمة.
 
هذا ويشدد صاحب المشغل، الذي زاد الى فريقه خياطات “للتعديلات”، على أنه بالرغم من الحركة الكثيفة على إجراء التعديلات على ملابس الزبائن القديمة، الحال ليست بأحسنها فالخياط يقع تحت رحمة صاحب المولّد و”تجّار الجملة”، وغالباً ما يكون الربح ضئيلاً.
 
زمن الترقيع.. “بالقديم جود”عند صاحب المشغل، تقف السيدة آمال، 42 عاماً، أمّ لثلاث بنات، تحمل أكياساً من ملابس قديمة أحضرتها من خزانتها لإحداث تعديلات صغيرة عليها. وتقول آمال لـ”لبنان 24” إنّ ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية بشكل جنوني “حطّم” القدرة الشرائية لأسرتها “بالكاد نكفّي شهرنا فالأسعار كلّها بالدولار والرواتب بالليرة اللبنانية”. وتتابع شاكية: “أردت شراء معطفاً جديداً لابنتي، قصدنا السوق لاختيار ما يناسب الجيب وعدنا بلا معطف، فالأسعار نار ويتخطّى سعر المعطف المليون ليرة لبنانية، إنه زمن ترقيع القديم”.المرأة التي أخبرتنا عن لجوئها لتعديل الملابس القديمة لتتلائم مع مقاسات فتياتها، توضح: “ثيابنا القديمة ليست رثة أو بالية، ولكن مقاسات بناتي مختلفة فالصغرى نحيفة مثلاً، ما يفرض عليّ تضييق ثوب أو بنطال أخواتها الأكبر كي يلائمها”، مشيرة إلى أنها “تعلّمت كيفية رت الثياب في حال وجود ثقب فيها، لكّنها لا تستطيع إجراء أي تعديل آخر لذا تلجأ للخياط الأقرب لمنزلها”.وعن التسعيرة المعتمدة للتعديل، تلفت آمال إلى أنها “مقبولة بالنسبة للأسعار في المحلات، فالأمر قد لا يتطلب أكثر من 200 ألف ليرة لبنانية”، وتسطرد قائلة: “هذا المبلغ بات لا يكفي لشراء قميص جديد أو مستعمل حتّى”.الذوق على “هوى الأزمة”في الشارع المقابل، تتحضّر المصّممة لويزا باسيل لإطلاق مجموعة فساتين جديدة، متحديّة الظروف الاقتصادية الصعبة والتوجّه الجديد نحو “تعديل القديم”. باسيل توضح لـ”لبنان 24″ أن للأزمة تأثير على التصاميم التي أمست أكثر بساطة من دون المسّ بنوعية الأقمشة. وتقول: “ذوق الزبائن اختلف وأصبحوا يبحثون عن فساتين “أوروبية الهوى”، أي بلا تنورة داخلية (jupon) وأكثر بساطة من التصميمات الشرقية المرصّعة بالأحجار واللؤلؤ”.
 
وتضيف أن “الزبائن باتوا يحضرون فساتين سهرة قديمة، لبسوها في مناسبات سابقة، لإعادة تصميمها أو للاستفادة من أقمشتها بخياطة ثوب جديد”.
وعن انعكاس الأزمة على الأسعار، تشير إلى أنها اضطرت لرفع الأسعار نتيجة غلاء كلفة الانتاج وارتفاع كلفة “كهرباء مولّد الطاقة”.نفض اللبنانيون الغبار عن ثيابهم القديمة وأعادوا للخياط زمن “عزّه” للحاجة: تقصير، تضييق وتوسيع.. إبرة وأنامل كفيلة بتحديث العتيق. التعديل بات الحلّ الأنسب بدلاً من التجديد، فهل يستمر نهج الترقيع بالتمدد من الثياب الى الطرقات فالقوانين؟!