بدا لبنان امس، غداة الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، واهتزت لتردداته ذعرا كل المناطق اللبنانية، كأنه منخرط بالكامل في التداعيات والمآسي الدراماتيكية التي تسبب بها خصوصا في ظل تكشف وجود لبنانيين بين الضحايا والجرحى والمفقودين في كلا البلدين. وعلى رغم طغيان الجانب الاغاثي والإنساني في هذه الكارثة الضخمة والمريعة، فان ذلك لم يحجب دلالات مهمة برزت من خلال انخراط الحكومة والمؤسسات اللبنانية المختلفة في مد سوريا وتركيا بما امكن للبنان تقديمه رغم إمكاناته المتواضعة في أوضاعه المعروفة.
فقد شكل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفدا وزاريا يتوجه اليوم الى سوريا لعقد سلسلة لقاءات مع المسؤولين السوريين تتناول الشؤون الانسانية وتداعيات الزلزال المدمّر الذي وقع في عدة مناطق في سوريا والامكانات اللبنانية المتاحة للمساعدة في مجالات الاغاثة. واعلن رسميا انه جرى التواصل امس بين رئيس الحكومة ووزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب ووزير الاشغال العامة والنقل علي حميه، وتم الاتفاق على تشكيل الوفد الوزاري الى دمشق “تعبيرا عن الوقوف الى جانب سوريا في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها، كخطوة تكاملية مع البعثة اللبنانية التي تقرر إيفادها للمساعدة في عمليات الاغاثة الانسانية، وكذلك مع قرار وزارة الاشغال العامة والنقل بفتح المرافق الجوية والبحرية اللبنانية أمام الشركات والهيئات التي تنقل المساعدات الى سوريا”. ولفتت المعلومات الرسمية الى “مجلس الوزراء كان قرر تكليف وزير الاشغال العامة والنقل علي حميه بالتواصل مع الاشقاء في سوريا، ووضع كل الامكانات المتاحة لأجل المساعدة الانسانية في عمليات البحث والانقاذ وغيرها”.وكتبت” النهار” : إن دلالات لا يمكن القفز فوقها برزت في مسألة انخراط الحكومة والوزارات والمؤسسات الامنية والانسانية في مد سوريا بالدعم الممكن وتمثلت في ما يمكن اعتباره “تطبيعا طارئا” بين لبنان ودمشق، وتجلى في اسقاط الحكومة كل التحفظات عن التواصل المباشر مع النظام السوري والحكومة السورية وفتح قنوات التنسيق على الغارب من دون ان يثير ذلك، نظرا الى طغيان العامل الكارثي في الجانب السوري، أي أصداء سلبية سياسية في لبنان.وكتبت” اللواء”: تجاوز لبنان الرسمي، وبعضه السياسي «عقوبات قيصر» على سوريا، والذي حرمه لتاريخه، زيادة التغذية بالكهرباء عبر الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وقرر إرسال وفد وزاري للتباحث في المساعدات، يصلها اليوم.ويضفي الوفد الوزاري صبغة رسمية وسياسية على عمليات الاغاثة التي بدأتها المؤسسات الانسانية الرسمية والاهلية في سوريا، وبالتزامن مع قرار حمية فتح المرافق الجوية والبحرية اللبنانية أمام الشركات والهيئات التي تنقل المساعدات الى سوريا.وكتبت ندى ايوب في” الاخبار”:يصوّب المسؤولون اللبنانيون خطأ اليوم الأوّل بعد زلزال تركيا وسوريا، حين تدخّلت الحكومة إجرائياً تجاه الأولى عبر إرسال فرق إغاثة واكتفت بموقفٍ عام حيال الثانية عارضة خدماتها. وبعد استياء عارم من الموقف الذي بدا ملتبساً، اتُخِذَت سلسلة خطوات تماشياً والظرف الاستثنائي، ومنها تحويل مرافق لبنان الجوية والبحرية إلى «جسر عبور» لمساعدة الشعب السوري، في خرقٍ مطلوبٍ لعقوبات قانون «قيصر» وللوضع العام القائم بين البلدين منذ الحرب على سوريا.بات مطار بيروت الدولي والمرفأ من بعد ظهر أمس مفتوحين أمام طائرات وسفن الشركات الدولية التي تتذرّع بعدم إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية إلى موانئ ومطارات سوريا، بناء لقرارٍ اتخذه حمية، المكلّف من قبل مجلس الوزراء بالتواصل مع الجانب السوري والتنسيق لتقديم المساعدة المطلوبة. وينصّ القرار كذلك على إعفاء الشركات والهيئات الراغبة باستخدام المرافق اللبنانية من الرسوم الجمركية التي تتوجب على الحمولات، ومن رسوم العبور خلال نقلها براً إلى سوريا بهدف تسهيل الطريق لوجيستياً أمام الجهات الراغبة بمساعدة الشعب السوري.أتى القرار كخطوة تكاملية مع البعثة اللبنانية التي انطلقت صباح أمس للمساعدة في عمليات الإغاثة الإنسانية في المناطق السورية المنكوبة بطلب من الحكومة، على غرار البعثة التي وصلت أمس إلى تركيا، مع الحرص على أن تكون مماثلة لناحية الأعداد والتركيبة، وتألفت من 15 عنصراً من فوج الهندسة في الجيش اللبناني وفريقاً من الصليب الأحمر والدفاع مدني وفوج إطفاء بيروت.أما قرار إيفادها فتعدّدت الروايات بشأنه، بين من يقول بأن «وقع الكارثة في سوريا لم يكن واضحاً في بادئ الأمر، بسبب تركيز الإعلام الدولي على تركيا، وأن حمية بعد لقائه وزير الصحة السوري حسن الغباش في مطار بيروت مساء الاثنين، وضع رئيس الحكومة في حقيقة الأوضاع»، ومن يقول إن «التحرّك باتجاه دمشق ليس بسهولة التحرّك باتجاه تركيا، وكان لا بد من درس الخطوة في ظل عقوبات قانون قيصر».سوريا تحتاج مساعدات من العيار الثقيلاضافت «الأخبار» أن المسؤولين السوريين أكدوا للمعنيين في لبنان أن سوريا لا تحتاج إلى سيارات إسعاف وإطفاء ومسعفين وعمال إنقاذ، وهي ما يتوافر لدى مختلف الجهات اللبنانية الراغبة والمستعدّة للمساعدة، إذ إن «المعدّات متوافرة في سوريا بشكل جيّد، والأطقم البشرية موجودة». في المقابل، تحتاج الدولة السّورية إلى آليات ثقيلة ورافعات عملاقة، ذات قدرة تُراوح من 50 إلى 200 طن، قادرة على تحريك أسقف المباني المنهارة ورفعها من دون تحطيمها لاحتمال العثور على ناجين تحتها.وهذا النوع من المساعدات غير متوافر سوى في الدول الصناعية، أو المهدّدة بشكل دائم بالزلازل والكوارث الطبيعية. أما لبنانياً، فلا تتوافر مثل هذه الرافعات الضخمة لدى الدولة أو الجهات الأهلية، وإن وجدت، فعددها قليل، وتمتلكها بعض المؤسّسات التي تعمل في مجال المقاولات والبناء، والتي تخشى من العقوبات الأميركية، لا سيّما قانون قيصر، في حال أدخلت المعدّات إلى الأراضي السّورية، ولو عن طريق الإيجار. بالتالي حتى السّاعة، لا مساعدات لبنانية فاعلة لسوريا، والضحايا الأحياء لا يزالون ينتظرون إنقاذهم من تحت الأنقاض، في سباق مع الوقت لا يبدو أنّه يعمل في مصلحتهم.