كتب محمد علي مقداد في” نداء الوطن”: خصصته بزيارة في مقره في الصيفي، لأقدّم له نسخة من كتابي، «أحزاب الله»، وهو بحث في أيديولوجيات الأحزاب الشمولية، وبالتحديد في موقفها من الديمقراطية ومن الدولة، المعياران الأساسيان للدخول في الحضارة الحديثة.لماذا هو بالذات؟ لأنه قام بمراجعة جريئة لتجربة حزبه في الحرب الأهلية واستخلص منها درساً مفيداً خلاصته أنّ لا حل لأزمات لبنان المستدامة إلا بالدولة.
Advertisement
سامي الجميل بدأ من حيث أحجم الآخرون. بدأ المراجعة من داخل الحزب، فقام بما يشبه الانتفاضة وخاض معركة مع المتشددين المتمسكين بمنطق الحرب الأهلية، وواجه بحزم سياسة التسويات الداخلية الكاذبة التي لم تكن تعني غير تقاسم المغانم، أي المحاصصة، على حساب سيادة دولة القانون والمؤسسات، وقرر الخروج من عقلية الحرب الأهلية من غير أن ينقلب على تاريخ حزبه.أهم ما في مراجعته بناؤها على النقد الذاتي قبل نقد الآخرين، فحمّل حزبه قسطاً من المسؤولية في إدارة شؤون البلاد إلى جانب شركائه في الحكم أو في المعارضة، ودعا الجميع إلى العمل على تغيير قواعد اللعبة التي لم تنجح في بناء وطن ودولة ذات سيادة على حدودها وداخل حدودها.وضع سامي الجميل قطاره الحزبي على سكة الإصلاح. خطوة ضرورية لكنها غير كافية. على الآخرين استكمالها بملاقاته، كل حزب مع قطاره، في محطة الإصلاح الوطني، على طريق بناء أحزاب لا تستند في تركيبتها إلى بنية طائفية، ولا في آليات عملها إلى عبادة الفرد، ولا في سياساتها إلى علاقات خارجية على حساب السيادة الوطنية.الشريك المثالي في هذه الخطوة هو الحزب الاشتراكي، بعد استعادة صورته ما قبل الحرب الأهلية وسجله النقي أيام مؤسسيه، ومن المؤكد أنّ وليد جنبلاط سيكون أول الواصلين إلى المحطة عندما تنضج الظروف.الشريك الأكثر جهوزية هو اليسار القديم بفضل تركيبته الوطنية وانتشاره في كل الطوائف والمناطق شرط أن يستكمل عملية النقد الذاتي التي بدأها كل من جورج حاوي ومحسن ابراهيم.يجنح خبراء التحليل بعيداً فيبدأون من الصين شرقاً ومن الولايات المتحدة غرباً ولا يبلغون الحدود اللبنانية إلّا بعد أن تكون قد أعيتهم الحقيقة. أمّا سامي الجميل ففضله أنه كان سبّاقاً في إطلاق ورشة التحليل من الداخل، رافعاً للإصلاح القول المنسوب إلى الإمام علي شعاراً «من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه». ليت الآخرين يقتدون به.